قَالَ أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعةُ الصَّنْعَانِيُّ: قَدْ حضَرْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى، وَهَذَا الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ أَحْفَظَ مِنْهُ.

سَمِعْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ فَقَالَ: وُرَيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَسَّانِيُّ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ وَزِيْرَةُ. فَقَالَ: أَنْتُم أَعْرفُ بِأَهْلِ بلدِكُم.

فِي إِفَادَتِهِ وَاشتِغَالِهِ:

قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ -رحمَهُ اللهُ- مُجْتَهِداً عَلَى الطَّلَبِ، يُكرِمُ الطَّلبَةَ، وَيُحسِنُ إِلَيْهِم، وَإِذَا صَارَ عِنْدَهُ طَالبٌ يَفهَمُ أَمرَهُ بِالرِّحلَةِ، وَيَفرحُ لَهُم بِسَمَاعِ مَا يَحصِّلُونَهُ، وَبسَبَبه سَمِعَ أَصْحَابُنَا الكَثِيْرَ.

سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ الحَدِيْثَ فِي الشَّامِ كُلِّهِ إلَّا بِبركَةِ الحَافِظِ، فَإِنَّنِي كُلَّ مَنْ سَأَلتُهُ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّضَنِي.

وَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُوْلُ عِنْدَ مَوْتِهِ: لاَ تُضَيِّعُوا هَذَا العِلْمَ الَّذِي قَدْ تَعِبْنَا عَلَيْهِ.

قُلْتُ: هُوَ رَحَّلَ ابْنَ خَلِيْلٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَرَحَّلَ ابْنَيْهِ العِزَّ مُحَمَّداً، وَعَبْدَ اللهِ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ صغِيراً، وَسَفَّرَ ابْنَ أُخْتِهِ مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ أَبِي بكر، وابن عمه علي ابن أَبِي بَكْرٍ.

قَالَ الضِّيَاءُ: وَحرَّضَنِي عَلَى السَّفَرِ إِلَى مِصْرَ، وَسَافَرَ مَعَنَا ابْنُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عبد الرحمن ابْنُ عشرٍ، فَبَعَثَ مَعَنَا "المُعْجَمَ الكَبِيْرَ" لِلطَّبَرَانِيِّ، وَكِتَابَ "البُخَارِيِّ"، وَ"السِّيرَةَ"، وَكَتَبَ إِلَى زَيْنِ الدين علي بن نجيا يُوصِيهِ بِنَا، وَسَفَّرَ ابْنَ ظَفَرٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَزوَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا.

قَالَ الضِّيَاءُ: لَمَّا دخلنَا أَصْبَهَانَ فِي سفرتِي الثَّانِيَةِ كُنَّا سَبْعَةً، أَحَدُنَا الفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَافِظِ، وَكَانَ طِفْلاً، فَسمِعنَا عَلَى المَشَايِخِ، وَكَانَ المُؤَيَّدُ ابْنُ الإِخْوَةِ عِنْدَهُ جُمْلَةٌ مِنَ المَسْمُوْعَاتِ، وَكَانَ يَتشدَّدُ عَلَيْنَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَحَزِنْتُ كَثِيْراً، وَأَكْثَرَ مَا ضَاقَ صَدْرِي لثَلاَثَةِ كُتُبٍ: "مُسْنَدِ العَدَنِيِّ"، وَ"مُعْجَمِ ابْنِ المُقْرِئ"، وَ"مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى"، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ عَلَيْهِ فِي النَّوبَةِ الأُوْلَى "مُسْنَدَ العَدَنِيِّ" لَكِنْ لأَجْلِ رِفْقَتِي، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ قَدْ أَمسَكَ رَجُلاً وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: أُمَّ هَذَا، أُمَّ هَذَا، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ ابْنُ عَائِشَةَ بِنْتِ مَعْمَرٍ. فَلَمَّا استيقظْتُ قُلْتُ: مَا هَذَا إلَّا لأَجْلِ شَيْءٍ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرِيْدُ الحَدِيْثَ، فَمضيتُ إِلَى دَارِ بَنِي مَعْمَرٍ، وَفتَّشْتُ الكُتُبَ، فَوَجَدْتُ "مُسْنَدَ العَدَنِيِّ" سَمَاع عَائِشَةَ مِثْلَ ابْنِ الإِخْوَةِ، فَلَمَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015