قَالَ ابْنُ الأَخْضَرِ: كُنْت عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَابِلَةِ، فَسَأَلَهُ مَكِّيٌّ الغَرَّادُ: هَلْ عِنْدَكَ كِتَابُ "الجِبَالِ"? فَقَالَ: يَا أَبْلَهُ! مَا تَرَاهُم حولي?.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سُئِلَ: أَيُمَدُّ القَفَا أَوْ يُقْصَرُ ? فَقَالَ: يُمدُّ، ثُمَّ يُقْصَرُ. وَكَانَ مَزَّاحاً.
وَقِيْلَ: عرضَ اثْنَانِ عَلَيْهِ شِعراً لَهُمَا، فَسَمِعَ لِلأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ أَردَأُ شِعراً مِنْهُ. قَالَ: كَيْفَ تَقُوْلُ هَذَا وَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الآخَرِ?! قال: لأن هذا لا يكون أردأ منه.
وَقَالَ لِرَجُلٍ: مَا بِكَ? قَالَ: فُؤَادِي. قَالَ: لَوْ لَمْ تَهَمْزِهُ لَمْ يُوْجِعْكَ.
قَالَ حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ: كَانَ ابْنُ الخَشَّاب يَتعمَّمُ بِالعِمَامَةِ، وَتبَقَى مُدَّةً حَتَّى تَسوَدَّ وَتَتَقَطَّعَ مِنَ الوَسَخِ وَعَلَيْهَا ذَرَقُ العَصَافِيْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَخْضَر: مَا تَزَوَّجَ ابْنُ الخَشَّاب وَلاَ تَسَرَّى، وَكَانَ قَذِراً يَسْتَقِي بِجَرَّةٍ مَكْسُوْرَةٍ، عُدنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَوَجَدنَاهُ بأسوء حَالٍ، فَنقَلَهُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ الفَرَّاء إِلَى دَارِهِ، وَأَلْبَسَه ثَوْباً نَظيفاً، وَأَحضر الأَشْرِبَة وَالمَاوردَ، فَأَشْهَدنَا بِوقْفِ كُتُبِهِ، فَتفرَّقَتْ، وَبَاع أَكْثَرَهَا أَوْلاَدَ العَطَّارِ حَتَّى بَقِيَ عُشرُهَا، فَتُرِكَ بِرِباطِ المَأْمُوْنِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ بَخِيلاً مُتَبذِّلاً، يَلعب بِالشطرنجِ عَلَى الطَّرِيْقِ، وَيَقفُ عَلَى المُشَعْوِذِ، وَيَمزَحُ، أَلَّفَ فِي الردِّ عَلَى الحَرِيْرِيِّ فِي "مَقَامَاتِهِ"، وَشَرَحَ "اللُّمَعَ"، وَصَنَّفَ فِي الردِّ عَلَى أبي زكريا التبريزي.
وقال القِفْطِيُّ: عِبَارتُه أَجْوَدُ مِنْ قَلمِهِ، وَكَانَ ضيق العَطَن، مَا كَمَّل تَصنِيفاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ المُبَارَك بن المُبَارَكِ النَّحْوِيّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ الخَشَّاب إِذَا نُودِي عَلَى كِتَاب، أَخَذَهُ وَطَالَعَه، وَغلَّ وَرقه، ثُمَّ يَقُوْلُ: هُوَ مَقْطُوْع، فَيَشْتَرِيهِ بِرخص.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ تَابَ، فَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الفَرَجِ الجُبَّائِيّ، رَأَيْتُ ابْنَ الخَشَّاب وَعَلَيْهِ ثِيَاب بيضٌ، وَعَلَى وَجهه نورٌ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر لِي، وَدَخَلتُ الجَنَّة، إلَّا أَنَّ اللهَ أَعرضَ عَنِّي وَعَنْ كَثِيْر مِنَ العُلَمَاءِ مِمَّنْ لاَ يَعمَلُ.
مَاتَ فِي ثَالِث رَمَضَانَ سَنَةَ سبع وستين وخمس مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ ... فَذَكَرَ حَدِيْثاً.