أحس إِلَى يَحْيَى، وَصَيَّرَهُ مِنْ قوَاده، وَكَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ مُؤثراً لأَهْل العِلْمِ، مُحِباً لَهُم، وَيُجزل صِلاَتِهِم، وَسُمِّيت المصَامُدَّة بِالمُوَحِّدِيْنَ لأَجْل خَوْض المَهْدِيّ بِهِم فِي علم الاعْتِقَاد وَالكَلاَمِ.
وَكَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ رَزِيناً وَقُوْراً، كَامِل السُّؤْدُد، سَرِيّاً، عَالِي الهِمَّة، خليقاً لِلإِمَارَة، وَاختلت أَحْوَال الأَنْدَلُس، وَتَخَاذل المُرَابِطُوْنَ، وَآثرُوا الرَّاحَة، وَاجترَأَ عَلَيْهِم الفِرَنْجُ، وَانْفَرَدَ كل قائد بمدينة، وهاجت عليهم الفِرَنْجُ، وَطَمِعُوا، فَجَهَّزَ عَبْد المُؤْمِنِ عُمَر إِينتِي، فَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَأَخَذَ الجَزِيْرَة الخَضْرَاء، ثُمَّ رُندَة، ثُمَّ إِشْبِيْلِيَة وَقُرْطُبَة وَغَرْنَاطَة، ثُمَّ سَارَ عَبْد المُؤْمِنِ بِجُيُوْشه، وَعدَى البَحْر مِنْ زقَاق سَبْتَة، فَنَزَلَ جبل طَارِق، وَسَمَّاهُ جبل الفَتْحِ، فَأَقَامَ أَشْهُراً، وَبَنَى هُنَاكَ قُصُوْراً وَمدينَة، وَوَفَدَ إِلَيْهِ كُبَرَاء الأَنْدَلُس، وَقَامَ بَعْض الشُّعَرَاء مُنشداً:
مَا لِلْعدَى جنّةٌ أَوقَى مِنَ الهَرَبِ ... أَيْنَ المفرُّ وَخيل الله فِي الطَّلَبِ
وَأَيْنَ يَذْهَب مَنْ فِي رَأْس شاهقةٍ ... وَقَدْ رَمَتْهُ سِهَام الله بِالشُّهب
حَدِّثْ عَنِ الرُّوْم فِي أَقطَار أندلسٍ ... وَالبَحْرُ قَدْ ملأَ البَرَّيْنِ بِالعرب
فَأُعْجَب بِهَا عَبْد المُؤْمِنِ، وَقَالَ: بِمِثْلِ هَذَا يُمدح الخُلَفَاء. ثُمَّ أَمَّر عَلَى إِشْبِيْلِيَة وَلده يُوْسُف، وَعَلَى قُرْطُبَة أَبَا حَفْصٍ عُمَر أَينتِي، وَعَلَى غَرْنَاطَة عُثْمَانَ وَلَدَه، وَقرر بِالأَنْدَلُسِ جَيْشاً كثيفاً مِنَ المصَامدَة وَالعرب وَقبَائِل بنِي هِلاَل، وَكَانَ قَدْ حَارَبَهُم مُدَّة، وَظَفِرَ بِهِم، وَأَذلهُم، ثُمَّ كَاتَبَهُم وَلاَطفهُم، فَخدمُوا مَعَهُ، وَخلعَ عَلَيْهِم، وَكَانَ دُخُوْله إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَمِمَّا لاَطف بِهِ العربَ وَاسْتمَالَهُم قصيدَةٌ لَهُ وَهِيَ:
أَقيمُوا إِلَى العليَاءِ هُوْجَ الرَّوَاحِلِ ... وَقُودُوا إِلَى الهيجَاءِ جُرْدَ الصَّوَاهلِ
وَقُومُوا لِنَصْرِ الدِّيْنِ قَوْمَةَ ثائرٍ ... وَشُدُّوا عَلَى الأَعْدَاءِ شَدَّةَ صَائِلِ
فَمَا العِزُّ إلَّا ظَهرُ أَجردَ سابحٍ ... وَأَبيضُ مأثورٌ وليس بسائل
بنِي الْعم مِنْ عَليَا هِلاَل بن عامرٍ ... وَمَا جَمَعتْ مِنْ باسلٍ وَابْنِ باسلِ
تَعَالَوا فَقَدْ شُدت إِلَى الغَزْو نيّةٌ ... عواقبُهَا منصورةٌ بِالأَوَائِل
هِيَ الغَزْوَة الغرَاء وَالموعدُ الَّذِي ... تَنَجَّزَ مِنْ بَعْدِ المدَى المتطَاولِ
بِهَا نَفتح الدُّنْيَا بِهَا نبلغُ المنَى ... بِهَا نُنْصِف التّحقيقَ مِنْ كُلِّ بَاطِلِ
فَلاَ تَتَوَانَوْا فَالبِدَارُ غنيمةٌ ... وَللمُدلِجِ السَّارِي صفَاءُ المنَاهلِ
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَن عَبْد المُؤْمِنِ لَمَّا نَزل سَلاَ -وَهِيَ عَلَى