لإمام العلامة الفقيه المقرىء، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مَحْمُويه، اليَزدِيُّ الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
موُلِدُهُ بِيَزْدَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ -أَوْ أَرْبَعٍ.
وَسَمِعَ مِنَ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ جُوَانشير، وَأَبِي المَكَارِمِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الفَسَوِيِّ المقرىء، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ بَلُّوكٍ الصُّوْفِيِّ، وَغِيَاثِ بنِ أَبِي مُضَرَ الأَصْبَهَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ فِي أَصْبَهَانَ عَلَى أَبِي الفَتْحِ الحَدَّادِ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَابْنِ خُشَيْشٍ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّبَعِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَسَمِعَ بِالدُّوْن "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمْدٍ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ نَاصرِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَبِأَصْبَهَانَ أَيْضاً مِنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدُويه.
وَتَفَقَّهَ بِوَاسِطَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الفَارقِيِّ، وَبِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الشاشي. وسمع بالبصرة والكوفة ومكة.
وَكَانَ يَسكنُ بقَرَاح ظَفَرٍ، وَصَنَّفَ كُتُباً نَافِعَةً فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالزُّهْدِ، وَحَدَّثَ بِهَا وَبِـ"سُنَنِ النَّسَائِيِّ".
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ الفُقَهَاءِ، وَمَشْهُوْرِي الزُّهَّادِ وَالعُبَّادِ وَأَهْلِ الوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ، رَوَى لَنَا عَنْهُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: نَزلَ بَغْدَادَ، فَقِيْهٌ فَاضِلٌ زَاهِدٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، جَمِيْلُ الطّرِيقَةِ، عَزِيزُ النَّفْسِ، سَخِيُّ الطَّبعِ بِمَا يَملكُهُ، قَانِعٌ بِمَا هُوَ فِيْهِ، كَثِيْرُ الصَّوْمِ وَالعِبَادَةِ، صَنَّفَ تَصَانِيْفَ فِي الفِقْهِ، وَأَوْرَدَ فِيْهَا أَحَادِيْثَ مُسْنَدَةً عَنْ شُيُوْخِهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنِّي، وَكَانَ دَائِمَ البِشْرِ، مُتَوَاضِعاً، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، وَكَانَ لَهُ عِمَامَةٌ وَقَمِيْصٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ، إِذَا خَرَجَ ذَاكَ قَعَدَ هَذَا فِي البَيْتِ، وَدَخَلتُ عَلَيْهِ مَعَ الوَاعِظِ الغَزنوِيِّ، فَوَجَدنَاهُ عُرْيَاناً مُتَّزِراً، فَاعْتذرَ، وَقَالَ: نَحْنُ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ:
قومٌ إِذَا غَسَلُوا ثِيَابَ جَمَالِهِم ... لَبِسُوا البُيُوْتَ إِلَى فَرَاغِ الغَاسِلِ
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بنَ عَلِيٍّ الحَرَّانِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا عَليٌّ اليَزدِيُّ يَقُوْلُ لَنَا: إِذَا مُتُّ فَلاَ تَدْفِنُوْنِي إلَّا بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ بِي سَكتَةٌ. قَالَ: وَكَانَ جَثيثاً صَاحِبَ بَلْغَمٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ شَهْرَ رَجَبٍ، فَقَبْلَ أَيَّامٍ مِنْهُ قَالَ لَنَا: قَدْ رَجَعتُ عَنْ قَوْلِي، فَإِذَا مُتُّ فَادْفِنُوْنِي فِي الحَالِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ: يَا عليُّ، صُمْ رَجَباً عِنْدنَا. قَالَ: فمات ليلة رجب.
قَالَ ابْنُ شَافِعٍ: مَاتَ فِي تَاسعٍ وَعِشْرِيْنَ، سَنَةً إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ "السُّنَنَ" الخَطِيْبُ الدَّوْلَعِيّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ النَّاقِدِ، وَعَلِيُّ بن الدباس.