وَقَدِمَ دِمَشْقَ بَعْدَ الخَمْسِ مائَةٍ، فَوَعَظَ بِهَا، وَأَخَذَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ، فَلَمْ يَحْتَمِلْ لَهُ المَلِكُ طُغْتِكين، وَكَانَ نَحْويّاً فَقيراً قَانِعاً مُتَأَلِّهاً، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ رَسُوْلاً مِنَ المُسْترشدِ فِي شَأْنِ البَاطِنِيَّةِ، وَكَانَ حَنَفِيّاً سَلَفِيّاً.

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: جلست معه من بُكرَةً إِلَى قَرِيْبِ الظُّهْرِ وَهُوَ يَلُوكُ شَيْئاً، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: نَوَاةٌ أَتَعَلَّلُ بِهَا لَمْ أَجِدْ شَيْئاً.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَقُوْلُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، قِيْلَ: دَخَلَ عَلَى الوَزِيْرِ الزَّيْنَبِيِّ وَعَلَيْهِ خِلْعَةُ الوزَارَةُ، وَهُم يُهَنِّئونَهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يَوْمُ عزَاءٍ، لاَ يَوْمَ هنَاءٍ، فَقِيْلَ: ولم? قال: أهنىء عَلَى لُبْسِ الحَرِيْرِ?!

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ الزَّبِيْدِيُّ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ عَلَى الوَحْدَةِ، فآوَانِي اللَّيْلُ إِلَى جبلٍ، فَصعدتُ، وَنَادَيتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اللَّيْلَةَ ضَيْفُكَ. ثُمَّ نُوْدِيْتُ: مَرْحَباً بضيفِ اللهِ، إنك مع طلع الشَّمْسِ تَمُرُّ بِقَوْمٍ عَلَى بِئرٍ يَأْكلُوْنَ خُبزاً وَتَمراً، فَإِذَا دَعَوْكَ فَأَجِبْ، فَسِرْتُ مِنَ الغَدِ، فَلاَحَتْ لِي أَهدَافُ بِئرٍ، فَجِئْتُهَا، فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا قَوْماً يَأْكلُوْنَ خُبزاً وَتَمراً، فَدعُوْنِي، فَأَجبتُ.

قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ، وَيَعظُ، وَيسْمَعُ مَعَنَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنَ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ فَنّاً عَجِيْباً، وَكَانَ فِي أَيَّامِ المسترشد يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَيَرْكُبُ حِمَاراً مَخْضُوْباً بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ يَجلسُ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ العوَامُّ، ثُمَّ فَتَرَ سُوقُهُ، ثُمَّ إِنَّ الوَزِيْرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ رَغِبَ فِيْهِ، وَنَفَقَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً يَحكُوْنَ عَنْهُ أَشيَاءَ السُّكُوتُ عَنْهَا أَوْلَى، وَقِيْلَ: كَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ السَّالمِيَّةِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الأَمْوَاتَ يَأْكلُوْنَ وَيَشربُوْنَ وَيَنكِحُوْنَ فِي قُبُوْرِهِم، وَإِنَّ الشَّارِبَ وَالزَّانِي لاَ يُلاَمُ، لأَنَّه يَفعلُ بقَضَاءِ اللهِ وَقدرِهِ.

قُلْتُ: يَحْتَجُّ بقِصَّةِ آدَمَ وَمُوْسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَم، وَبقولِ آدم: وأنه حج موسى1، ولو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015