رَوَى جُزْءاً عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيّ، وَتَفَرَّد بِهِ، وَهُوَ التَّاسع مِنَ "المُخَلِّصِيَّات" انتقَاء ابْنِ البَقَّال، وَحفظ القُرْآن.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخ كَبِيْر، أَفنَى عُمُره فِي العِبَادَةِ وَالقِيَام وَالصيَام، لَعَلَّهُ مَا صرف سَاعَة مِنْ عُمُره إلَّا فِي عبَادَةٍ، وَانْحَنَى حَتَّى لاَ يُتَبَيَّنَ قيَامُهُ مِنْ رُكُوْعِهِ إلَّا بِيَسِيْرٍ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْقُرْآنِ، لاَ يَقبل مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَلَهُ كفَايَةٌ يَتقنَّعُ بِهَا، دَخَلتُ عَلَيْهِ فِي مسجِدِه مَرَّاتٍ، بِالعَتَّابِيِّين، وَسَأَلتُهُ: هَلْ سَمِعْتُ شَيْئاً? فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيِّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: مَا ظَفِرْنَا بِذَلِكَ، لَكِن قَرَأْتُ عَلَيْهِ "الرَّد عَلَى الجَهْمِيَّة" لنِفْطَوَيْه، سَمِعَهُ مِنْ أَبِي العَبَّاسِ بن قُرَيْش، وَحضر سَمَاعه مَعَنَا شَيْخنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِي.
قُلْتُ: ظهر سَمَاعُه مِنَ الأَنْمَاطِيّ بَعْد فِرَاق الحَافِظ أَبِي سَعْدٍ بَغْدَاد، فَرَوَى عَنْهُ الجُزْءَ يُوْنُس بن يحيى الهاشمي، وأحمد بن الحسن العاقولي، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ السِّمِّذِيُّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ العُرَيْبِيِّ، وَشُجَاع البَيْطَار، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ البَلِّ، وَسَعِيْد بن المُبَارَكِ بن كمونة، وعبيد الله ابن أَحْمَدَ المَنْصُوْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَصْفَرِ، وَرَيْحَانُ بنُ تيكَانَ الضّرِيرُ، وَمُظَفَّر بن أَبِي يَعْلَى بن جَحْشويه، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن تُمَيْرَةَ، وَعَبْد اللهِ بن مَحَاسِنَ بن أَبِي شَرِيْكٍ، وَعَبْد الخَالِقِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصيَّادُ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن المُبَارَكِ البَردَغُولِيُّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَالمُبَارَك بن عَلِيِّ بنِ أَبِي الجُوْدِ شَيْخُ الأَبَرْقُوْهِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو المظفر بن الجَوْزِيّ: سَمِعْتُ مَشَايِخ الحَرْبِيَّة يَحكُوْن عَنْ آبَائِهِم وَأَجدَادهِم أَنَّ السُّلْطَان مسعُوْداً لَمَّا أَتَى بَغْدَاد، كَانَ يُحبّ زِيَارَة العُلَمَاء وَالصَّالِحِيْنَ، فَالتمسَ حُضُوْر ابْنِ الطَّلاَّيَةِ، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: أَنَا فِي هَذَا المَسْجَد أنْتَظر دَاعِي الله فِي النَّهَار خَمْس مَرَّات. فَذَهَبَ الرَّسُولُ. فَقَالَ السُّلْطَان: أَنَا أَوْلَى بِالمَشْي إِلَيْهِ. فَزَاره، فَرَآهُ يُصَلِّي الضُّحَى، وَكَانَ يُطَوِّلُهَا يُصلِّيهَا بِثَمَانِيَة أَجزَاء، فَصَلَّى مَعَهُ بَعْضهَا، فَقَالَ لَهُ الخَادِم: السُّلْطَان قَائِم عَلَى رَأْسك. فَقَالَ: أَيْنَ مَسْعُوْد? قَالَ: هَا أَنَا. قَالَ: يَا مَسْعُوْد، اعْدِلْ، وَادعُ لِي، الله أَكْبَر. ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، فَبَكَى السُّلْطَان، وَكَتَبَ وَرقَةً بِخَطِّهِ بِإِزَالَة المُكُوْس وَالضّرَائِب، وَتَاب تَوبَة صَادِقَة.
مَاتَ ابْنُ الطَّلاَّيَةِ فِي حَادِي عشر رَمَضَان سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس، وَكَانَتْ جِنَازَته كَجَنَازَة أَبِي الحَسَنِ بن القَزْوِيْنِيّ، وَمَا خَلَّف بَعْدَهُ مِثْلَه، دفن إِلَى جَانب أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ، رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى.