باب زهده صلى الله عليه وسلم:
وبذلك يوزن الزهد وبه يحد:
قال الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
وقال بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن عبد الله بن عباس، قال: كان ابن عباس يحدث أن الله -تعالى- أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة معه جبريل -عليه السلام- فقال الملك: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أكون عبدا نبيا". قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه تعالى.
وقال عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، قال: حدثني ابن عباس، أن عمر -رضي الله عنهم- قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدنى عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير قد أثر بجنبه، فقلبت عيني في خزانة رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين -أو قال قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ، نحو الصاعين، وإذا أفيق معلق أو أفيقان، قال: فابتدرت عيناي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا ابن الخطاب"؟ قلت: يا رسول الله وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله -عز وجل- ورسوله وخيرته، وهذه خزانتك! وكسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت هكذا. فَقَالَ: