قَالَ ابْنُ النَّجَّار: ذكر قُثَم بن طَلْحَةَ الزَّيْنَبِيّ -وَمِنْ خطِّه نَقُلْتُ- أَنَّ المُسْترشد كَانَ يَتنسَّكُ فِي أَوَّل زَمَنه، وَيَلْبَسُ الصُّوف، وَيَتعبَّدُ، وَختم القُرْآن، وَتَفَقَّهَ، لَمْ يَكُنْ فِي الخُلَفَاء مَنْ كَتَب أَحْسَنَ مِنْهُ، وَكَانَ يَسْتَدْرِكُ عَلَى كُتَّابه، وَيُصلِحُ أَغَاليطَ فِي كُتبهِم، وَكَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ يَقُوْلُ: أَنَا وَرَّاق الإِنشَاء وَمَالِكُ الأَمْر يَتولَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ الشَّرِيْفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ذَا شَهَامَةٍ وَهَيْبَة، وَشجَاعَةٍ وَإِقدَامٍ، وَلَمْ تَزَلْ أَيَّامُه مُكَدَّرَةً بِتَشْوِيشِ المخَالفِيْن، وَكَانَ يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ لدفع ذَلِكَ وَمبَاشرته إِلَى أَنْ خَرَجَ، فَكُسِرَ، وَأُسِرَ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلَى يَدِ الملاَحدَة، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ الحَدِيْثَ.
قَالَ: وَلَهُ نَظْمٌ، ونثرٌ مليح، وَنُبْلُ رَأْي.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عبد المُنْعِم، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ طِرَاد، أَخْبَرَنَا المُسْترشِدُ بِاللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بيَان الرَّزَّاز، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَخْلَد، أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَنشدنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ السِبْط حِفْظاً لِلمُسْترشد بِاللهِ:
قَالُوا تُقِيْمُ وَقَدْ أَحَا ... طَ بِكَ العَدُوُّ وَلاَ تَفِرُّ
فَأَجَبْتُهُمْ المَرْءُ مَا لَمْ ... يَتَّعِظْ بِالوَعْظِ غِرُّ
لاَ نِلْتُ خَيراً مَا حَيِيْتُ ... وَلاَ عَدَانِي الدَّهْرَ شَرُّ
إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنْ غَيْ ... رَ اللهِ يَنْفَعُ أَوْ يضر
وَلَهُ:
أَنَا الأَشْقَرُ المَوْعُوْدُ بِي فِي المَلاَحِمِ ... وَمَنْ يَمْلِكُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ مُزَاحِمِ
سَتَبْلُغُ أَرْضَ الرُّوْمِ خَيْلِي وَتُنْتَضَى ... بِأَقْصَى بِلاَدِ الصِّيْنِ بِيْضُ صَوَارِمِي
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَمَّا أُسِرَ مُسْتشهداً:
وَلاَ عَجَباً لِلأُسْدِ إِنْ ظَفِرَتْ بِهَا ... كِلاَبُ الأَعَادِي مِنْ فَصِيْحٍ وَأَعْجَمِ
فَحَرْبَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى ... وَمَوْتُ عَلِيٍّ مِنْ حُسَامِ ابْنِ ملحم
قَالَ سَعْدُ الله بنُ نَجَا بن الوَادِي: حَكَى لِي صَدِيْقِي مَنْصُوْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: لَمَّا عَادَ الحَيْصَ بَيْصَ إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ قَدْ هجَا الخَلِيْفَةَ المُسْترشِد طَالباً لِذِمَامِهِ، فَقَالَ فيه: