قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ: بُلْتُ الدَّم فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ مرَّتين، مرَّة بِبَغْدَادَ، وَأُخْرَى بِمَكَّةَ، كُنْتُ أَمْشِي حَافِياً فِي الحرِّ، فَلحقنِي ذَلِكَ، وَمَا رَكبتُ دَابَّة قَطُّ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَكُنْت أَحْمِلُ كُتُبِي عَلَى ظهريٍ، وَمَا سَأَلتُ فِي حَال الطَّلَب أَحَداً، كُنْت أَعيشُ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيْلَ: كَانَ يَمْشِي دَائِماً فِي اليَوْمِ والليلة عشرين فرسخًا، وكان قادرًا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّقَّاق فِي "رِسَالَتِهِ"، فَحطَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَانَ صُوْفِيّاً مَلاَمتيّاً، سكنَ الرَّيَّ، ثُمَّ هَمَذَان، لَهُ كِتَاب "صَفوَةِ التَّصَوُّفِ"، وَلَهُ أَدْنَى مَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ فِي بَابِ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا.
قُلْتُ: يَا ذَا الرَّجُل، أَقْصِرْ، فَابْنُ طَاهِرٍ أَحْفَظُ مِنْكَ بِكَثِيْر.
ثُمَّ قَالَ: وَذُكِرَ لِي عَنْهُ الإِباحَةِ.
قُلْتُ: مَا تَعْنِي بِالإِباحَةِ? إِن أَردتَ بِهَا الإِباحَة المطلقَة، فَحَاشَا ابْن طَاهِر، هُوَ _ وَاللهِ _ مُسْلِمٌ أَثرِيٌّ، مُعَظِّمٌ لِحُرُمَاتِ الدِّينِ، وَإِنْ أَخْطَأَ أَوْ شَذَّ، وَإِن عَنِيتَ إِباحَةً خَاصَّةً، كَإِباحَةِ السَّمَاعِ، وَإِباحَةِ النَّظَر إِلَى المُرْدِ، فَهَذِهِ مَعصيَةٌ، وَقول لِلظَاهِرِيَة بِإِباحتهَا مَرْجُوح.
قَالَ ابْنُ نَاصر: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، صَنَّفَ فِي جَوَازِ النَّظَر إِلَى المُرد، وَكَانَ يَذْهَبُ مَذْهَبَ الإِباحَةِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَتَوقَّف، ثُمَّ أَسَاء الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ بنَ عساكر يقول: جَمَعَ ابْنُ طَاهِرٍ أَطرَاف "الصَّحِيْحَيْنِ" وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي عِيْسَى، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، فَأَخْطَأَ فِي مَوَاضِعَ خَطَأً فَاحشاً.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ لُحَنَةً وَيُصَحِّف، قَرَأَ مرَّة: وَإِن جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقاً1 -بِالقَافِ- فَقُلْتُ: بِالفَاء، فَكَابَرَنِي.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ فَاضِلاً يَعْرِفُ، لَكنَّه لُحَنَة، قَالَ لِي المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ: كَانَ يَقرَأُ، وَيَلْحَنُ عِنْد شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِهَرَاةَ، فَكَانَ الشَّيْخُ يُحرِّكُ رَأْسَه، وَيَقُوْلُ: لا حول ولا قوة إلَّا بالله.