صَالِحَة، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ وهلةٌ لاَ لَعاً لَهَا، وَمَزَلَّةٌ لاَ تَمَاسكَ فِيْهَا، وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نُقْطَةً مِنْ بحره، فَإِنَّا لاَ نَرُدُّ عَلَيْهِ إلَّا بِقَوْلِهِ.
قُلْتُ: كَذَا فَليكن الردُّ بأدبٍ وَسكَيْنَة.
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ، قَالَ: إِنَّ لِلْقدر سِرّاً نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ، فَأَيُّ سرٍّ للقدر? فَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالنَّظَر، وُصِلَ إِلَيْهِ وَلاَ بُدَّ، وَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالخَبَر، فَمَا ثَبَتَ فِيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُدْرَكُ بِالحَال وَالعِرفَان، فَهَذِهِ دعوَى مَحضَة، فَلَعَلَّهُ عَنَى بِإِفشَائِهِ أَن نُعَمِّق فِي القَدَرِ، وَنبحثَ فِيْهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الكَرِيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا حطلبا بن قمرِيَة الصُّوْفِيّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بن أَحْمَدَ الإِسْفَرَايينِي بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ قَالَ: اعْلم أَنَّ الدِّين شَطرَانِ: أَحَدُهُمَا تَركُ المَنَاهِي، وَالآخرُ فِعلُ الطَّاعَات، وَتركُ المنَاهِي هُوَ الأَشَدُّ، وَالطَّاعَات يَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ، وَتركُ الشَّهوَات لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا الصِّدِّيْقُوْنَ، وَلذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السوء، والمجاهد من جاهد هواه" 1.
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العبدرِي: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْد القَادِرِ الطُّوْسِيّ يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّهُ أَبصر فِي نَوْمه كَأَنَّهُ يَنظر فِي كتب الغزَالِي -رَحِمَهُ اللهُ- فَإِذَا هِيَ كُلُّهَا تَصَاوِيْر.
قُلْتُ: الغَزَّالِي إِمَامٌ كَبِيْر، وَمَا مِنْ شَرطِ العَالِم أَنَّهُ لاَ يُخطِئ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الطُّرْطُوشِي فِي رِسَالَة لَهُ إِلَى ابْنِ مُظَفَّر: فَأَمَّا مَا ذكرت مِنْ أَبِي حَامِد، فَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَكَلَّمتُهُ، فَرَأَيْتهُ جَلِيْلاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَاجتمع فِيْهِ العَقْلُ وَالفهْمُ، وَمَارسَ العُلُوْمَ طُولَ عُمُره، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ بدَا لَهُ عَنْ طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تَصَوَّف، وَهجر العُلُوْمَ وَأَهْلهَا، وَدَخَلَ فِي عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب، وَوسَاوسِ الشَّيْطَان، ثُمَّ شَابَهَا بآرَاء الفَلاَسِفَةِ، وَرُموز الحلاَّجِ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ عَلَى الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدِّين، فَلَمَّا عمل "الإِحيَاء"، عَمَدَ يَتَكَلَّم فِي