قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ: عَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الفَامِي مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافعيَّة وَكِبَارِهِم، سَمِعْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ سَبْعِيْنَ تَأْلِيفاً، وَلِي "التَّفْسِيْرُ" ضمنتُهُ مائَةَ أَلْفِ بَيْتٍ شَاهِداً، أَملَى وَحُفِظَ عَلَيْهِ تصحيفٌ شَنِيعٌ، فَأُجْلِبَ عَلَيْهِ، وَطُولِبَ، وَرُمِيَ بِالاعتزَالِ حَتَّى فَرَّ بِنَفْسِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ الطَّرْقِي: سَمِعْتُ جَمَاعَةً: أن عبد الوهاب أملى عَلَيْهِم بِبَغْدَادَ: صَلاَةٌ فِي أَثَرِ "صلاةٍ كتابٌ فِي عِلِّيينَ"1، فَصَحَّفهَا "كَنَارٍ فِي غَلَس"، فَكَلَّمُوْهُ، فَقَالَ: النَّار فِي الْغَلَس تَكُوْنُ أَضوَأَ.
قَالَ الطَّرْقِي: وَسَأَلَهُ صَدِيْقٌ لِي: هَلْ سَمِعْتَ "جَامِع أَبِي عِيْسَى"? فَقَالَ: مَا الجَامِعُ? وَمَنْ أَبُو عِيْسَى? ثُمَّ سَمِعتُهُ بَعْدُ يَعُدُّه فِي مَسْمُوْعَاتِه.
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُمْلِي بِجَامِع القَصْرِ، قُلْتُ لَهُ: لَوِ اسْتَعنتَ بحَافظ? فَقَالَ: إِنَّمَا يَفعلُ ذَا مَنْ قَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ، وَأَنَا، فَحفظِي يُغنِينِي، فَامْتُحِنْتُ بِالاستملاَءِ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتهُ يُسْقِطُ مِنَ الإِسْنَاد رَجُلاً، وَيَزِيْد رَجُلاً، وَيَجعل الرَّجُل اثْنَيْنِ، فَرَأَيْتُ فَضيحَةً، فَمِنْ ذَلِكَ: الحَسَنُ بن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، فَأَمسك الجَمَاعَةُ، وَنظرَ إِلَيَّ وَتَكَلَّمُوا، فَقُلْتُ: قَدْ سقط إِمَّا مُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ، أَوْ أُمَيَّة بنُ بِسْطَامَ، فَقَالَ: اكتُبُوا كَمَا فِي أَصْلِي، وَجَاءَ: أَخْبَرَنَا سَهْل بن بَحْر، أَنَا سَأَلتُهُ، فَصَحَّفَهَا، فَقَالَ: أَنَا سَالِبَةُ، وَقَالَ: سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَثي، فَقَالَ: وَالأَشْعَثي، جَعَلَ وَاو "عَمْرو" لِلْعطف، فَرددتُهُ، فَأَبَى، فَقُلْتُ: فَمَنِ الأَشْعَثيُّ? قَالَ: فُضُولٌ مِنْكَ، وَجَاءَ وَرْقَاءُ بن قَيْسِ بن الرَّبِيْعِ، فَقُلْتُ: هُوَ "عَنْ" بَدَلَ "ابْن" وَقَالَ: فِي حَدِيْث حُمَيْلِ بنِ بَصْرَةَ: لقيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَجِيْءُ مِنَ الطور، فقال: "الطَّوْدِ" وَفَسَّر مَرَّةً "الخِشْف"2 فَقَالَ: طَائِر، وَقَالَ فِي: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهفُ: 110] انْتصبَ عَلَى الحَال.
قيل: وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائة، وعاش ستًا وثمانين سنة.