قَالَ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَحكِي أَنَّ الملكَ تَاجَ الدَّوْلَة تُتُش بن أَلب آرسلاَن زَار الفَقِيْهَ نصراً يَوْماً، فَلَمْ يَقُمْ لَهُ، وَلاَ الْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَكَذَا ابْنُه الْملك دُقَاق، فَسَأَلَهُ عَنْ أَحَلِّ الأَمْوَال الَّتِي يَتصرَّفُ فِيْهَا السُّلْطَان، قَالَ: أَحلُّهَا أَمْوَالُ الجِزْيَة، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَرْسَل إِلَيْهِ بِمَبْلَغ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ الجِزْيَة، فَفَرِّقْهُ عَلَى الأَصْحَاب، فَلَمْ يَقبلْه، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ بنا إليه، فلما ذهب الرسول، لاَمه الفَقِيْهُ نَصْر المِصِّيْصِيّ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ حَاجتنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ تَجْزَعْ مِنْ فَوَاته، فَسَوْفَ يَأْتيك مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكفِيك فِيمَا بَعْدُ، فَكَانَ كَمَا تَفرَّسَ فِيْهِ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى طريقةٍ وَاحِدَة مِنَ الزُّهْد وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الدُّنْيَا وَالتقشُّف، حَكَى لِي بَعْضُ أَهْل العِلْمِ قَالَ: صَحِبتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ بِخُرَاسَانَ، وَالشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ بِبَغْدَادَ، فَكَانَ طرِيقُهُ عِنْدِي أَفْضَلَ مِنْ طرِيقَةِ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الشَّام، فَرَأَيْتُ الفَقِيْه أَبَا الفَتْح، فَكَانَتْ طرِيقَتُه أَحْسَنَ مِنْ طَرِيقَتَيْهمَا.

قُلْتُ: كَانَ الفَقِيْهُ نَصْرٌ يُعرف أَيْضاً بِابْنِ أَبِي حَائِط، أَلَّفَ كِتَاب "الانتخَابِ الدِّمَشْقِيِّ" فِي بَضْعَةَ عَشرَ مُجلَّداً، وَلَهُ كِتَاب "التَّهْذِيب" فِي المَذْهَب، فِي عَشْرَة أَسفَار، وَلَهُ كِتَاب "الكَافِي" فِي المذهب، مَا فِيْهِ أَقْوَال وَلاَ وُجُوه، وَعَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، -رَحِمَهُ اللهُ-، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب الصَّغِيْر.

قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ: تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

قُلْتُ: فِي جالسه غلطاتٌ، وَأَحَادِيْثُ وَاهيَة.

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَحَاسِن مُحَمَّدِ بن هَاشِمِ بنِ عَبد القَاهِر بن عَقِيْل العَبَّاسِيّ بِبُسْتَانه، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ عَقِيْلِ بن عثمان العباسي المعدل في سنة خَمْس وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيم الزَّيَّات سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا سُلَيْم بن أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ المَحَامِلِيّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ جِبْرِيْل جَالِس بِالمقَاعِد، فَسَلَّمت عَلَيْهِ، وَاجتَزتُ، فَلَمَّا رَجَعتُ، وَانْصَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِي: "هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي" ? قُلْتُ: نَعم، قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ" 1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015