هكذا يتبرأ الحافظ -رحمه الله- من سب الصحابة الكرام، وممن بدل القرآن، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وما كان عليه سلف الأمة قد أبانها الحافظ في أقواله المبثوثة في هذا الكتاب العظيم وفي ردوده على أهل الزيغ والضلال بيانا ساطعا يستضيء به كل باحث عن الحق.

لقد كان الحافظ الذهبي -رحمه الله- رأسا في علوم الحديث، وألف فيها كتبا كثيرة اعتمد عليها كثير من العلماء إلى يومنا هذا، وكانت له آراء حديثية هامة تهم كل عامل ومشتغل بهذا العلم الشريف، هذه الأقوال والآراء مبثوثة في كتابه "السير"، وسائر كتبه، نذكر بعض هذه الأقوال والآراء ليستضيء بها كل مشتغل بهذا العلم الجليل، وليقف القارئ على هذه المكانة السنية التي تبوأها هذا الحافظ الجليل حتى أصبح يشار إليه بالبنان بين أكابر علماء الحديث، فدونك أيها القارئ الكريم هذه الأقوال والآراء:

قال في "السير" "7/ 115":

قال جماعة سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحُجُرَاتُ: 2] قَالَ: أَرَى رَفْعَ الصَّوْتِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَرَفعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، إِذَا قُرِئَ حَدِيْثُهُ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تنصت له، كما تنصت للقرآن يعمر.

وقال في "السير" "9/ 7":

يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ لاَ يُشْهِرَ الأَحَادِيْثَ الَّتِي يَتَشَبَّثُ بِظَاهِرِهَا أَعدَاءُ السُّنَنِ مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَأَهْلِ الأَهْوَاءِ، وَالأَحَادِيْثَ الَّتِي فِيْهَا صِفَاتٌ لَمْ تَثْبُتْ، فَإِنَّكَ لَنْ تُحَدِّثَ قَوْماً. بِحَدِيْثٍ لاَ تَبْلُغُهُ عُقُوْلُهُم، إِلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِم، فَلاَ تَكْتُمِ العِلْمَ الَّذِي هُوَ عِلْمٌ، وَلاَ تَبْذُلْهُ لِلْجَهَلَةِ الَّذِيْنَ يَشْغَبُوْنَ عَلَيْكَ، أَوِ الَّذِيْنَ يَفْهَمُونَ مِنْهُ ما يضرهم.

وقال في "السير" "9/ 22":

قَالَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ. وَقَدْ صحَّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَتَمَ حَدِيْثاً كَثِيْراً مِمَّا لاَ يَحْتَاجُهُ المُسْلِمُ فِي دِيْنِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْ بَثَثْتُهُ فِيْكُم لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ. وَلَيْسَ هذا من باب كتمان العلم فِي شَيْءٍ، فَإِنَّ العِلْمَ الوَاجِبَ يَجِبُ بَثُّهُ وَنَشْرُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ حِفْظُهُ، وَالعِلْمُ الَّذِي فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ مِمَّا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ يَتَعَيَّنُ نقله ويتأكد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015