أَكُوْن مَدْسُوساً عَلَيْهِ، حَتَّى بَسَطْتُه، وَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي أَنْدَلُسِيّ أُرِيْدُ الحَجّ، فَأَجَاز لِي لفظا، وَامْتَنَعَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.

قُلْتُ: قبَّح الله دُوْلَةً أَمَاتَتِ السُّنَّةَ وَرِوَايَةَ الأَثَارَةِ النّبويَّة، وَأَحيتِ الرّفض وَالضَّلاَل، وَبَثَّتْ دُعَاتهَا فِي النَّوَاحِي تُغوِي النَّاسَ، وَيدعُوْنهم إِلَى نِحلَة الإِسْمَاعِيليَّة، فَبِهم ضَلَّت جَبَلِيَّةُ الشَّام، وَتعثَّرُوا، فَنحمدُ الله عَلَى السَّلاَمَة فِي الدِّيْنِ.

قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: كَانَ الحَبَّال ثِقَةً ثَبْتاً، وَرِعاً، خَيّراً، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَوْلَى لابْنِ النُّعْمَانِ قَاضِي القُضَاة، ثُمَّ سَاق عَنْهُ أَبُو نَصْرٍ حَدِيْثاً، وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ ثَبَّته فِي غَيْر شَيْء. وَرَوَى عَنْهُ: الخَطِيْبُ أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ بِالإِجَازَة. ثُمَّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ.

وَقَالَ السِّلَفِيّ فِي "مشيخَة الرَّازِيّ": كَانَ الحَبَّالُ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ، وَمَنْ خُتِمَ بِهِ هَذَا الشَّأْنُ بِمِصْرَ، لقِي بِمَكَّةَ جَمَاعَةً، وَلَمْ يُحَصِّل أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ مِنَ الحَدِيْثِ مَا حَصَّلهُ هُوَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خَلَف المِسْكِيّ: هُوَ مِنَ الحُفَّاظِ المُبَرِّزِين الأَثْبَاتِ، جمعَ حَدِيْث أَبِي مُوْسَى الزَّمِنِ، وَانتقَى عَلَيْهِ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيّ مائَةَ جُزْء.

قُلْتُ: لاَ بَلْ عِشْرِيْنَ جُزْءاً، وَشُيُوْخُه يَزِيدُوْنَ عَلَى ثَلاَثِ مائَة.

وَقَالَ ابْنُ المُفَضَّلِ: انْتَهَت إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الرّحلَة، وَبِهِ اخْتتم هَذَا الشَّأْنُ فِي قُطرِه، وَآخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ فِيمَا علمتُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْر الحَضْرَمِيّ بِالإِجَازَة، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة. وَقِيْلَ: إِنَّ مُحَدِّثاً قرَأَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: وَرضِيَ اللهُ عَنِ الشَّيْخ الحَافِظ. فَقَالَ: قل: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، إِنَّمَا الحَافِظ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَبْد الغَنِيِّ.

قَالَ ابْنُ طَاهِر: رَأَيْتُ الحَبَّال وَمَا رَأَيْتُ أَتقن مِنْهُ! كَانَ ثَبْتاً، ثِقَةً، حَافِظاً.

وَقَالَ الأَعَزُّ بنُ عَلِيٍّ الظَّهيرِيّ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الحبَالُ مِنْ مِصْرَ فَكَتَبَ: أَجزتُ لَهم أَنْ يَقولُوا: أَجَاز لَنَا فُلاَنٌ، وَلاَ يَقولُوا: حَدَّثَنَا وَلاَ أَخْبَرَنَا.

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمُّود الزَّاهِد فِيمَا علَّقه عَنْهُ السِّلَفِيّ: إِنَّهُ حضَر مجلس الحبَّالِ وَالحَدِيْثُ يُقرَأُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَزل دموعُه تجرِي حَتَّى فَرغ القَارِئ.

وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ: وَقَعَ المَطَرُ يَوْماً، فَجَاءَ الحبَّالُ، فَقَالَ: قَدْ تَلِفَ بِالمَطَر مِنْ كُتُبِي بِأَكْثَر مِنْ خَمْسِ مائَة دِيْنَارٍ. فَقُلْتُ لَهُ: قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ مَنْدَة عَمل خزَانَةً لِكُتُبِهِ، فَقَالَ: لَوْ عَملتُ خزَانَةً لاَحتجتُ إِلَى جَامِع عَمْرِو بن العَاصِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015