الجِهَاد وَسمَّاهم المُرَابطين فَثَارتْ عَلَيْهِم القبَائِلُ فَاسْتمَالهم أَبُو بَكْرٍ وَكَثُر جمعُهُ وَبَقِيَ أَشْرَارٌ فَتحَيَّلُوا عَلَيْهِم حَتَّى زرّبوهم فِي مَكَان وَحصروهُم فَهلكُوا جوعاً وَضَعُفُوا فَقتلوهُم وَاسْتفحلَ أَمرُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَرَ وَدَانت لَهُ الصّحرَاءُ وَنَشَأَ حُوْل ابْن يَاسين جَمَاعَةٌ فُقَهَاءُ وَصلحَاءُ وَظهر الإِسْلاَم هُنَاكَ.

وَأَمَّا جَوْهَرٌ، فَلزم الخَيْر وَالتَّعَبُّد، وَرَأَى أَنَّهُ لاَ وَضَعَ لَهُ، فَتَأَلَّمَ، وَشرع فِي إِفسَاد الكِبَار، فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، ثُمَّ أَوجبُوا قتلَه بِحكم أَنَّهُ شَقَّ العصَا فَقَالَ: وَأَنَا أُحِبُّ لقَاء الله. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقُتِلَ. وَكثرت المُرَابطُوْنَ وَقتلُوا وَنهبُوا وَعَاثُوا وَبلغتِ الأَخْبَارُ إِلَى ذَلِكَ الفَقِيْه بِمَا فَعل ابْنُ يَاسين فَاسْترجَعَ وَنَدِمَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة الْقَتْل وَالسبي فَأَجَابَ يَعتذِرُ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا جَاهِلِيَّةً يَزنُوْنَ وَيُغِير بَعْضهم عَلَى بَعْض، وَمَا تجَاوزتُ الشَّرعَ فِيهِم.

وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة قحطت بلادهم وماتت مواشيهم فأمر ابْنُ يَاسين ضعفَاءهم بِالمَسِيْر إِلَى السُّوس وَأَخْذِ الزَّكَاة فَقَدم سِجِلْمَاسَة مِنْهم سَبْعُ مائَة وَسَأَلُوا الزَّكَاة فَجمعُوا لَهم مَالاً فَرجعُوا بِهِ ثُمَّ ضَاقت الصّحرَاءُ بِهِم وَأَرَادُوا إِعلاَنَ الحَقِّ وَأَن يَسيرُوا إِلَى الأَنْدَلُسِ لِلغَزْو فَأَتوا السُّوسَ فَحَارَبَهم أَهْلهَا فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَاسِيْنَ وَانْهَزَم أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ ثُمَّ حَشَدَ وَجَمَعَ وَأَقْبَلَ فَالتقَوهُ فَانْتصرَ وَأَخَذَ أَسلاَبهُم وَقويّ جَأْشُه ثُمَّ نَازل سِجِلْمَاسَة وَطَالبَ أَهْلهَا بِالزَّكَاةِ فَبرز لحرَبّهم مَسْعُوْدٌ الأَمِيْر وَطَالت بَيْنهم الحَرْبُ مَرَّاتٍ ثُمَّ قتلُوا مسعُوْداً وَمَلَكُوا سِجِلْمَاسَة فَاسْتنَاب أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا يُوْسُف بن تَاشفِيْن ابْنَ عَمِّهِ فَأَحُسْن السِّيْرَةَ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَرجع المَلِكُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الصّحرَاء ثُمَّ قَدِمَ سِجِلْمَاسَة وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا ابْنَ أَخِيْهِ وَجَهَّزَ جَيْشه مَعَ ابْنِ تَاشفِيْن فَافْتَتَحَ السُّوس وَكَانَ ابْنُ تَاشفِيْن ذَا هيئَةٍ شُجَاعاً، سَائِساً.

تُوُفِّيَ الْملك أَبُو بَكْرٍ اللَّمْتونِي بِالصّحرَاء فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة فَتملك بَعْدَهُ ابْنُ تَاشفِيْن، وَدَانت لَهُ الأُمَم.

فَأَوّل مَنْ كَانَ فِيهِم الْملك مِنَ البَرْبَر صِنْهَاجَةُ ثُمَّ كُتَامَة ثُمَّ لَمْتُونَة ثُمَّ مصْمودَة ثُمَّ زنَاتَة.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْد أَنَّ كُتَامَة وَلَمْتُونَة وَهَوَّارَة مِنْ حِمِيْر وَمَنْ سواهم فمن البَرْبَر وَبربر مِنْ وَلد قيذَار بن إِسْمَاعِيْلَ.

وَيُقَالُ: إِنَّ دَار البَرْبَر كَانَتْ فِلَسْطِيْن وَمَلِكُهم هُوَ جَالُوت فَلَمَّا قَتله نَبِيُّ الله دَاوُد؛ جلتِ البَرْبَرُ إِلَى المَغْرِب وَانتشرُوا إِلَى السوس الأَقْصَى، فَطُول أَرَاضيهم نَحْوٌ مِنْ أَلف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015