ابن سِيْبُخْت صَاحِبُ البَغَوِيّ وَعَبْدُ الغَنِيِّ بن سَعِيْدٍ الحَافِظ وَأَجَاز لَهُ مِنَ الحَرَم أَبُو الفَتْحِ عُبَيْد اللهِ السَّقَطِيّ وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بن مَوْهب الجُذَامِيّ.

قَالَ الحُمَيْدِيُّ: أَبُو عُمَرَ فَقِيْهٌ حَافظٌ مُكْثِرٌ عَالِم بِالقِرَاءات، وَبَالخلاَف وَبعلُوْم الحَدِيْث وَالرِّجَال قَدِيْمُ السَّمَاع يَمِيْل فِي الفِقْه إِلَى أَقْوَال الشَّافِعِيّ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِبلدنَا فِي الحَدِيْثِ مِثْلَ قَاسِم بن مُحَمَّدٍ وَأَحْمَد بن خَالِدٍ الجَبَّاب. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ عبد الْبر بدونهمَا وَلاَ متخلفاً عَنْهُمَا وَكَانَ مِنَ النَّمِرِ بن قَاسِط طلب وَتَقدَّم وَلَزِمَ أَبَا عُمَر أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الفَقِيْه وَلَزِمَ أَبَا الوَلِيْدِ بن الفَرَضِي وَدَأَب فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ وَافْتَنَّ بِهِ وَبَرَعَ برَاعَة فَاقَ بِهَا مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ رِجَال الأَنْدَلُس وَكَانَ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي علم الأَثر وَبَصَرِهِ بِالفِقْه وَالمَعَانِي لَهُ بسطَةٌ كَبِيْرَةٌ فِي علم النّسَب وَالأَخْبَار جلاَ عَنْ، وَطَنه فَكَانَ فِي الغَرْب مُدَّةً ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى شَرْقِ الأَنْدَلُس فَسَكَنَ دَانِية وَبَلَنْسِية وَشَاطِبَة وَبِهَا تُوُفِّيَ.

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِد أَنَّ أبا عمر ولي قضاء أشبونة مدة.

قُلْتُ: كَانَ إِمَاماً ديِّناً ثِقَة مُتْقِناً علاَمَة مُتَبَحِّراً صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاع وَكَانَ أَوَّلاً أَثرِياً ظَاهِرِياً فِيْمَا قِيْلَ ثُمَّ تَحَوَّلَ مَالِكيّاً مَعَ مَيْلٍ بَيِّنٍ إِلَى فَقه الشَّافِعِيّ فِي مَسَائِل وَلاَ يُنكر لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّنْ بلغَ رُتْبَة الأَئِمَّة المُجْتَهِدين وَمَنْ نَظَرَ فِي مُصَنَّفَاتِهِ بانَ لَهُ مَنْزِلَتُهُ مِنْ سعَة العِلْم وَقُوَّة الفَهم وَسَيَلاَن الذّهن وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذ مِنْ قوله ويترك إلَّا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ إِذَا أَخْطَأَ إِمَامٌ فِي اجْتِهَادِهِ لاَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ ننسَى مَحَاسِنهُ وَنُغطِي معَارِفه بَلْ نستغفرُ لَهُ وَنَعْتَذِرُ عَنْهُ.

قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال: ابْنُ عبدُ البَرِّ إِمَامُ عَصْرِهِ، وَوَاحِدُ دَهْرِهِ، يُكْنَى أَبَا عُمَر، رَوَى بقُرْطُبَة عَنْ: خَلَف بن القَاسِمِ، وَعبد الوَارِث بن سُفْيَانَ، وَسَعِيْدِ بن نَصْرٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بن عبد المُؤْمِن، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بن أَسَد، وَجَمَاعَةٍ يَطُولُ ذكرهُم. وَكَتَبَ إِلَيْهِ مِنَ المَشْرِق السَّقَطِيّ، وَالحَافِظ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَابْنُ سِيْبُخْت، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الدَّاوُوْدِيّ، وَأَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ البَاجِي يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مِثْل أَبِي عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْبر فِي الحَدِيْثِ وَهُوَ أَحْفَظُ أَهْلِ المَغْرِب.

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ: أَلَّف أَبُو عُمَرَ فِي المُوَطَّأِ كتباً مُفِيْدَة مِنْهَا: كِتَاب التّمهيد لمَا فِي المُوَطَّأِ مِنَ المَعَانِي وَالأَسَانِيْد فَرتَّبَهُ عَلَى أَسْمَاء شُيُوْخ مَالِك عَلَى حُرُوف المُعْجَم وَهُوَ كِتَابٌ لَمْ يَتَقَدَّمه أَحَدٌ إِلَى مِثْلِهِ وَهُوَ سَبْعُوْنَ جُزْءاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015