رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آلُ عِمْرَانَ: 169] ، وَهَؤُلاَءِ حَيَاتُهُم الآنَ الَّتِي فِي عَالِمِ البَرْزَخِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ حَيَاةَ الدُّنْيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلاَ حَيَاةَ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَهُم شِبْهٌ بِحَيَاةِ أَهْلِ الكَهْفِ. وَمِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ آدَمَ وَمُوْسَى لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ مُوْسَى، وَحَجَّهُ آدَمُ بِالعِلْمِ السَّابِقِ، كَانَ اجْتِمَاعُهُمَا حَقّاً، وَهُمَا فِي عَالِمِ البَرْزَخِ، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أخبر أنه رأى في السموات آدم، وموسى، وإبراهيم، وإدريس، وعيسى، صلى الله وسلم عليهم، وطالت محاورته مع مُوْسَى، هَذَا كُلُّه حَقٌّ، وَالَّذِي مِنْهُم لَمْ يَذُقِ المَوْتَ بَعْدُ، هُوَ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فما زال نبينا طَيِّباً مُطَيَّباً، وَإِنَّ الأَرْضَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا أَكلُ أَجْسَادِ الأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا شَيْءٌ سَبِيْلُهُ التَّوقِيْفُ، وَمَا عَنَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لَمَّا قَالُوا لَهُ بِلاَ عِلْمٍ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْك وَقَدْ أَرَمْتَ؟ يَعْنِي: قَدْ بَلِيتَ. فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

وقال في "السير" "11/ 116":

عَنْ عَوْنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: مَا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قرأَ وَكَتَبَ1.

فعقب الذهبي "11/ 116-118" بقوله:

قُلْتُ: لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ شَيْئاً, إِلاَّ مَا فِي "صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ أَنَّهُ يَوْمَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَة كَتَبَ اسْمَهُ "مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ"2.

وَاحتجَّ بِذَلِكَ القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي، وَقَامَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاء الأَنْدَلُس بِالإِنْكَار، وَبدَّعُوهُ حَتَّى كَفَّرَهُ بَعْضهُم. وَالخَطْبُ يَسِيْر، فَمَا خَرَجَ عَنْ كَونه أُمِّياً بِكِتَابَةِ اسْمه الكَرِيْم، فجَمَاعَةٌ مِنَ المُلُوك مَا عَلِمُوا مِنَ الكِتَابَة سِوَى مُجَرَّد العلاَمَة، وَمَا عدَّهُمُ النَّاسُ بِذَلِكَ كَاتِبِين، بَلْ هُم أُمِّيُّون، فَلاَ عِبْرَةَ بِالنَادرِ، وَإِنَّمَا الحكمُ للغَالِب, وَاللهُ -تَعَالَى- فَمَنْ حِكْمَتِهِ لَمْ يُلْهِم نَبِيَّه تَعَلُّمَ الكِتَابَة، وَلاَ قِرَاءة الكُتُبِ حَسْماً لمَادَةِ المُبْطِلِيْن، كَمَا قَالَ -تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [الْعَنْكَبُوت: 48] ، وَمَعَ هَذَا فَقَدِ افتَرَوْا وَقَالُوا: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [الفرقان: 5] ، فانظر إلى قحة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015