مَحْمُوْدٌ عَلَى أَمْوَالٍ لاَ تُحصَى، وَقِيْلَ: كَانَ حَجَراً شَدِيدَ الصَّلاَبَة طولُه خَمْسَةُ أَذْرُع، مُنَزَّلٌ مِنْهُ فِي الأَسَاس نَحْو ذرَاعِين، فَأَحرقه السُّلْطَانُ، وَأَخَذَ مِنْهُ قطعَةً بنَاهَا فِي عتبَة بَابِ جَامعِ غَزْنَة، وَوجدُوا فِي أُذُن الصَّنَم نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ حَلْقَةً؛ كُلُّ حَلْقَةٍ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهَا عبَادَتُهُ ألف سنة.
وَكَانَ السُّلْطَانُ مَائِلاً إِلَى الأَثر إلَّا أَنَّهُ مِنَ الكَرَّامِيَّة.
قَالَ أَبُو النَّضْر الفَامِيُّ: لَمَّا قَدِمَ التَّاهَرْتِيُّ الدَّاعِي مِنْ مصر علَى السُّلْطَان يدعُوه سِرّاً إلَى مَذْهَبِ البَاطِنِيَّة، وكَانَ التَّاهَرْتِيُّ يَركَبُ بَغْلاً يتلَوَّنُ كُلَّ سَاعَةٍ مِنْ كُلِّ لُوْنَ، فَفَهُم السُّلْطَانُ سِرَّ دعوتِهم، فَغَضِبَ، وَقَتَلَ التَّاهَرْتِيُّ الخَبِيْث، وَأَهدَى بغلَهُ إِلَى القَاضِي أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ؛ شَيْخ هَرَاة، وَقَالَ: كَانَ يَرْكَبُه رَأْسُ المُلْحِدين، فليَرْكَبْه رَأْسُ المُوحِّدين.
وَذكر إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَنَّ مَحْمُوْدَ بنَ سُبُكْتِكِيْن كَانَ حَنَفِيّاً يُحِبُّ الحَدِيْثَ، فَوَجَد كَثِيْراً مِنْهُ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ، فجمعَ الفُقَهَاء بِمَرْو، وَأَمر بِالبحثِ فِي أَيّمَا أَقوَى مَذْهَبُ أَبِي حَنِيْفَةَ أَوِ الشَّافِعِيّ. قَالَ: فَوَقَعَ الاَتِّفَاق عَلَى أَنْ يصلوا ركعتين بن يَدَيْهِ عَلَى المَذْهَبين. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ القَفَّال بوُضوءٍ مُسْبغٍ وَستْرَةٍ وَطَهَارَةٍ وَقِبْلَةٍ وَتَمَّامِ أَركَانٍ لاَ يُجَوِّزُ الشَّافِعِيُّ دونهَا، ثُمَّ صَلَّى صَلاَةً على ما يجوزه أبي حَنِيْفَة، فَلَبِسَ جِلْد كلبٍ مَدبوَغاً قَدْ لُطِخَ رُبُعُه بِنَجَاسَةٍ، وَتَوَضَّأَ بنَبِيْذ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الذُّبَّان، وَكَانَ وُضوءاً مُنَكّساً، ثُمَّ كبّر بِالفَارسيَّة، وَقرأَ بِالفَارسيَة،: دَوْبَرْكَك سَبْز. وَنَقَر وَلَمْ يَطْمئنَّ وَلاَ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوع، وَتَشَهَّدَ، وَضَرَطَ بِلاَ سَلاَم. فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ تكن هَذِهِ الصَّلاَةُ يُجِيزُهَا الإِمَامُ، قَتَلْتُكَ. فَأَنكرت الحَنَفِيَّةُ الصَّلاَةَ. فَأَمر القفال بإحضار كُتُبِهم، فَوُجِدَ كَذَلِكَ، فتحوَّل مَحْمُوْدٌ شَافِعِيّاً. هَكَذَا ذكره الإِمَامُ أَبُو المَعَالِي بِأَطولَ مِنْ هَذَا.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ فِي تَرْجَمَة مَحْمُوْد: كَانَ صَادِقَ النِّيَّةِ فِي إِعلاَءِ الدِّين، مُظَفّراً كَثِيْر الغَزْوِ، وَكَانَ ذَكيّاً بعيدَ الغَور، صَائِبَ الرَّأْي، وَكَانَ مَجْلِسُهُ مورِد العُلَمَاء. وَقبرُهُ بغَزْنَة يُزَار.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاء: حَكَى عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ: أَبَا مَسْعُوْد أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ البَجَلِيَّ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ فُوْرَك عَلَى السُّلْطَان مَحْمُوْد، فَقَالَ: لاَ يَجُوْزُ أَنْ يُوصف اللهُ بِالفوقيَّة لأَنَّ لاَزمَ ذَلِكَ وَصفُه بِالتّحتيَّة، فَمَنْ جَازَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ فَوْقٌ، جَازَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ تَحْتٌ. فَقَالَ السُّلْطَانُ: مَا أَنَا وَصفتُه حَتَّى يلزمَنِي، بَلْ هُوَ وَصفَ نَفْسَه. فَبُهِتَ ابْن فُوْرَك، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مَاتَ. فيُقَالُ: انْشَقَّت مرَارَتُه.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ: قَدْ صُنِّفَ فِي أَيَّام مَحْمُوْد وَأَحْوَالِهِ لحظَة لحظَة، وَكَانَ فِي الخَيْرِ وَمصَالِحِ الرَّعِيَّةِ يُسِّرَ لَهُ الإِسَارُ وَالجنودُ وَالهيبَةُ وَالحِشْمَةُ مِمَّا لَمْ يرهُ أَحد.