بئر مَجَنَّة، قال عمي: كنت ههنا مَرَّةً، فَعَرضَ لِي شَيْخٌ جَمَّال، فَقَالَ: كُنْتُ قَافلاً مِنْ خُرَاسَانَ مَعَ أَبِي، فلمَّا وَصلنَا إلى ههنا إِذَا نَحْنُ بِأَرْبَعِيْنَ وِقْراً مِنَ الأَحمَالِ، فَظنَنَّا أَنَّهَا مَنسوجُ الثِّيَابِ، وَإِذَا خَيمَةٌ صَغِيْرَةٌ فِيْهَا شَيْخ، فَإِذَا هُوَ وَالدُكَ، فَسَأَلَهُ بَعْضُنَا عَنْ تِلْكَ الأَحمَالِ، فَقَالَ: هَذَا مَتَاعٌ قَلَّ مَنْ يرغب فِيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، هَذَا حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الباطِرْقاني: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: طُفت الشَّرقَ وَالغربَ مرَّتين.

وَهَذِه حِكَايَةٌ نكتبهَا للتعجُّبِ: قَالَ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: حُكِي لِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ رَئِيْسِ حُجَّاجِ خُرَاسَانَ قَالَ: سَأَلتُ بَعْضَ خَدَمِ تُربَة رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، قَالَ: رَأَيْتُ يَوْماً رَجُلاً عَلَيْهِ ثِيَابٌ بيضٌ دَخَلَ الحَرَمَ وَقتَ الظّهرِ، فانشقَّ حَائِطُ التُّرْبَة، فَدَخَلَ فِيْهَا وَبِيَدِهِ مِحبرَةٌ وَكَاغَدٌ وَقَلَمٌ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ انشقَّ فَخَرَجَ، فَأَخذتُ بِذَيلِهِ، فَقُلْتُ: بِحقِّ مَعبودِكَ مَنْ أَنْتَ? قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَنْدَة، أَشكل عليَّ حَدِيْثٌ، فَجِئتُ فَسَأَلْتُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَجَابَنِي وَأَرجِعُ. إِسْنَادهَا مُنْقَطِع.

وَقَدْ رَوَى أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَكَرِيَّا النَّسَوِيّ فِي "تَاريخِ الصُّوْفِيَّة" عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَنْدَة, وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ.

قَالَ الباطِرْقاني: وَكُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي توفِّي فِيْهَا، فَفِي آخِرِ نَفَسِه قَالَ وَاحِدٌ منَّا: لاَ إِلَهَ إلَّا الله -يُرِيْدُ تَلْقينه- فَأَشَار بِيَدِهِ إِلَيْهِ دفْعَتَيْنِ ثَلاَثَةً. أَي: اسْكُتْ, يُقَالُ لِي مِثْلُ هَذَا.

رَوَى يَحْيَى بنُ مَنْدَة فِي تَارِيْخِهِ، عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّه, أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا افتصدتُ قَطُّ، وَلاَ شَرِبتُ دوَاءً قَطُّ، وَمَا قَبِلتُ مِنْ أَحدٍ شَيْئاً قَطُّ.

قَالَ يَحْيَى: وَذَكَر لِي عَمِّي عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: قَفَلْتُ مِنْ خُرَاسَان وَمعِي عِشْرُوْنَ وِقْراً مِنَ الكُتُبِ، فنزلتُ عِنْد هَذَا البِئرِ -يَعْنِي: بِئر مَجَنَّة- فَنزلتُ عِنْدَهُ اقتدَاءً بِالوَالدِ.

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرهُ: مَاتَ ابْنُ مَنْدَةَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

وَقَدْ أَفردتُ تأليفًا بابن منده وأقاربه.

وَمَا علمتُ بَيْتاً فِي الرُّوَاة مِثْلَ بَيْتِ بنِي مَنْدَةَ؛ بَقيتِ الرِّوَايَةُ فِيْهِم مِنْ خِلاَفَةِ المُعْتَصِم وَإِلَى بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَسِتّ مائَة، وَقَدْ ذكرنَا أَنَّ وَالدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّيْخَ أَبَا يَعْقُوْبَ مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، يَرْوِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَجَمَاعَة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015