قَالَ السُّلَمِيُّ: هُوَ مِنْ مَشَايِخِ البَغْدَادِيِّيْنَ, لَهُ لِسَانٌ عالٍ فِي هَذِهِ العُلُومِ, لاَ يَنْتَمِي إِلَى أُسْتَاذٍ، وَهُوَ لِسَانُ الوَقْتِ, وَالمرجوعُ إِلَيْهِ فِي آدَابِ المُعَامَلاَتِ, يَرجعُ إِلَى فُنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ.

وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَوْحَدَ دَهْرِهِ, وَفَرْدَ عَصْرِهِ فِي الكَلاَمِ عَلَى عِلْمِ الخَوَاطِرِ, دوَّنَ النَّاسُ حِكَمَه، وَجمعُوا كلاَمَهُ, وَكَانَ بَعْضُ شيوخِنَا إِذَا حدَّث عَنْهُ قَالَ: حدَّثنا الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُنْطَق بِالحِكْمَةِ.

أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّن, عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ, أَخْبَرَنَا نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ, أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ, أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الزَّعْفَرَانِيُّ, حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ السُّنِّيُّ صَاحِبُ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ, قَالَ: كَانَ ابْنُ سَمْعُوْنَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ينسخُ بِالأُجْرَةِ, وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَأُمِّهِ, فَقَالَ لَهَا يَوْماً: أُحِبُّ أَنْ أَحجَّ, قَالَتْ: وَكَيْفَ يُمْكِنُكَ? فَغَلَبَ عَلَيْهَا النَّوْمُ فَنَامَتْ, وَانْتَبَهَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ وَقَالَتْ: يَا وَلَدِي حِجَّ. رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ: دَعِيْهِ يَحجُّ, فَإِنَّ الخَيْرَ لَهُ فِي حجِّهِ, فَفَرحَ وَبَاعَ دَفَاتِرَهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهَا مِنْ ثَمَنِهَا, وَخَرَجَ مَعَ الوَفْدِ, فَأَخَذَت العَرَبُ الوَفْدَ. قَالَ: فَبَقَيْتُ عُريَاناً, فجعلتُ إِذَا غلبَ عليَّ الجوعُ, وَوجدتُ قَوْماً مِنَ الحجَّاجِ يأكلون وَقفتُ, فيدفعُوْنَ إليَّ كسرَةً فَأَقْتَنِعُ بِهَا، وَوجدتُ مَعَ رَجُلٍ عَبَاءةً, فَقُلْتُ: هَبْهَا لِي أَسْتَتِرُ بِهَا, فَأَعْطَانِيْهَا، وَأَحرمتُ فِيْهِ, وَرجعتُ. وَكَانَ الخَلِيْفَةُ قَدْ حَرَّمَ جَارِيَةً وَأَرَادَ إِخْرَاجَهَا مِنَ الدَّارِ. قَالَ السنِّي: فَقَالَ الخَلِيْفَةُ: اطلبُوا رَجُلاً مستوراً يصلحُ أَنْ تُزَوَّجَ هَذِهِ الجَارِيَةُ بِهِ, فَقِيْلَ: قَدْ جَاءَ ابْنُ سَمْعُوْنَ, فَاسْتصوبَ الخَلِيْفَةُ ذَلِكَ, وزوَّجه بِهَا. فَكَانَ يَعِظُ، وَيَقُوْلُ: خَرَجْتُ حَاجّاً, وَيشرحُ حَالَهُ، وَيَقُوْلُ: هَا أَنَا اليَوْمَ عليَّ مِنَ الثِّيَابِ مَا تَرَوْنَ.!! قُلْتُ: كَانَ فَاخِرَ الملبوسِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ: قُلْتُ لَهُ يَوْماً: تَدْعُو النَّاسَ إِلَى الزُّهْدِ، وَتلبسُ أَحسنَ الثِّيَابِ, وَتَأْكلُ أَطْيَبَ الطَّعَامِ, كَيْفَ هَذَا? فَقَالَ: كُلُّ مَا يُصلحُكَ للهِ فَافْعَلْهُ إِذَا صلحَ حَالُكَ مَعَ اللهِ تَعَالَى.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: قَالَ لِي ابْنُ سَمْعُوْنَ: مَا اسْمُكَ? قُلْتُ: حَسَنٌ. قَالَ: قَدْ أَعطَاكَ اللهُ الاسْمَ فَسَلْهُ المَعْنَى.

قَالَ أَبُو النَّجِيْبِ الأُرْمَوِيُّ: سَأَلتُ أَبَا ذَرٍّ عَنِ ابْنِ سَمْعُوْنَ هَل اتَّهَمتَهُ? قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ رَوَى جُزْءاً عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ عَلَيْهِ, وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَمْعُوْنَ، وَكَانَ رَجُلاً سِوَاهُ؛ لأَنَّهُ كَانَ صَبِيّاً مَا كَانُوا يُكنُّونَهُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وَسمَاعُهُ مِنْ غَيْرِهِ صَحِيْحٌ, وَكَانَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ يُقَبِّلان يَدَهُ، وَكَانَ القَاضِي يَقُوْلُ: رُبَّمَا خَفِيَ عليَّ مِنْ كلاَمِهِ بَعْضُ الشَّيْءِ لدقته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015