وَيَعسرُ وَقوعُ حَدِيْثِهِ لَنَا, فَإِنَّهُ -حَالَ أَوَانَ الراوية, كَانَ علمُهُ كَاسِداً بِمِصْرَ لمَكَانِ الدَّوْلَةِ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ. وَقِيْلَ: هُوَ الَّذِي كَاتَبَهُمْ وَجَسَّرَهُمْ عَلَى المجِيْءِ لأَخذِ مِصْرَ, ثُمَّ نَدِمَ.
قَالَ السِّلَفي: كَانَ ابن حِنْزَابة من الحفَّاظ الثقات المتبجِّحين بِصُحبَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ, مَعَ جَلاَلَةٍ وَريَاسَةٍ يَرْوِي وَيُمْلِي بِمِصْرَ فِي حَالِ وَزَارتِهِ, وَلاَ يَختَارُ عَلَى العِلْمِ وَصُحبَةِ أَهلِهِ شَيْئاً، وَعِنْدِي مِنْ أَمَالِيهِ وَمِنْ كلاَمِهِ عَلَى الحَدِيْثِ, وَتصرُّفِهِ الدَّال عَلَى حِدَّةِ فَهْمِهِ, وَوُفُورِ عِلْمِهِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنَانِيُّ الحَافِظُ مع تقدمه.
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أنَّ ابنَ حِنْزَابَةَ بَعْدَ موتِ كَافور وَزَرَ للملكِ أَبِي الفَوَارِسِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الإِخْشِيْذِ, فَقَبَضَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَربَابِ الدَّوْلَةِ وَصَادَرَهُمْ، وَصَادَرَ يَعْقُوْبَ بنَ كلِّسَ الَّذِي وَزَرَ, فَأَخَذَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ, فَهَرَبَ إِلَى المَغْرِبِ، وتوصَّل وَعظُمَ قَدْرُهُ, ثُمَّ إِنَّ ابنَ حِنْزَابَةَ لَمْ يَقدرْ عَلَى إِرضَاءِ الإِخْشِيْذِيَّةِ، وَمَاجَت الأُمورُ, فَاخْتَفَى مرَّتين, ونُهِبَت دَارُهُ, ثُمَّ قَدِمَ أَمِيْرُ الرَّمْلة الحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ طُغْجَ وتملَّك, وَصَادَرَ ابْنُ حِنْزَابَةَ وعذَّبه, فنزحَ إِلَى الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ, ثُمَّ رَجعَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ السَّبِيْعِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الوَزِيْرُ جَعْفَرُ بنُ الفَضْلِ إِلَى حلبَ, فتلقَّاه النَّاسُ, فكُنْتُ فِيهِمْ, فعُرِّفَ أَنِّي محدِّث, فقال لي: تعرف إسنادا فيه أربعة مِنَ الصَّحَابَةِ, قُلْتُ: نَعَمْ. حَدِيْثُ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ, عَنْ حُوَيْطِبٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّعْدِيِّ, عَنْ عُمَرَ -رَضِي الله عَنْهُمْ- فِي العُمَالَةِ, فَعَرفَ لِي ذَلِكَ, وَصَارَ لِي عِنْدَهُ منزلة.
قيل: كان الوزير عند عِدَّةَ وَرَّاقِيْنَ، وَكَانَ يُسْتَعملُ بِسَمَرْقَنْدَ الكَاغد, وَيُحملُ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: كَاتبَ ابْنُ حِنْزَابَةَ وَعِدَّةٌ مِنَ الكُبَرَاءِ القَائِدَ جَوْهَراً, يطلُبُونَ الأَمَانَ فأمَّنهم، وَدَخَلَ فِي دست عظيمٌ, فَاسْتَوْزَرَ ابنَ حِنْزَابَةَ مرَّةً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ المُهَلَّبِيِّ بِمِصْرَ, فَقَالَ: كُنْتُ حَاضراً فِي دَارِ الوَزِيْرِ ابْنِ كلِّسَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو العَبَّاسِ وَلَدُ الوَزِيْرِ أَبِي الفَضْل بنِ حِنْزَابَةَ، وَكَانَ قَدْ زوَّجه بَابنَتِهِ, فَقَالَ لَهُ: يَا سيدي, ما أنا بأجَلّ من أَبِيكَ, وَلاَ بأَفضلَ, أَتَدْرِي مَا أَقعدَهُ خَلْفَ النَّاسِ? شَيْل أَنْفِهِ بِأَبِيهِ, فَلاَ تَشِلْ -يَا أَبَا العَبَّاسِ- أَنْفَكَ بِأَبِيكَ. تَدْرِي مَا الإِقبالُ؟ نشَاطٌ وَتواضعٌ, وَالإِدْبارُ كسلٌ وَترفُّعٌ.
قِيْلَ: كَانَ ابْنُ حِنْزَابَةَ مُتَعَبِّداً, ثُمَّ يفطرُ ثُمَّ ينَامُ, ثُمَّ ينهضُ فِي اللَّيْلِ, وَيدخلُ بَيْتَ مُصَلاَّهُ فيصفُّ قَدَمَيْهِ إِلَى الفَجْرِ.