يَبْقَ لِلقومِ أَقدمُ مِنْهُ, وَلاَ أتَمَّ حَالاً, صحب رُوَيْمَ بنَ أَحْمَدَ, وَابنَ عَطَاءٍ، وَلَقِيَ الحَلاَّجَ, وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ المشَايخِ بِعُلُومِ الظَّاهِرِ, مُتَمسِّكٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, فَقِيْهٌ شَافعِيٌّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ مِنْ لفظِهِ, أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ كَرْمٍ, أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى, أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَاكَوَيْه, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَفِيْفٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: قُرِئَ عَلَى حَمَّادِ بنِ مُدْرِكٍ، وَأَنَا أَسمعُ, حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ, حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنِ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا صَنَعْتَ قِدْراً فَأَكْثِرْ مِنْ مَرَقِهَا, وَانْظُرْ أَهْلَ بيتٍ مِنْ جِيْرَانِكَ, فَأَصِبْهُم بِمَعْرُوفٍ" 1.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الشِّيْرَازِيُّ: مَا أَرَى التَّصَوُّفَ إلَّا يُخْتَم بِأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ خَفِيْفٍ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْ أَولاَدِ الأُمَرَاءِ فتزهَّدَ, حَتَّى قَالَ: كُنْتُ أَجمعُ الخِرَقَ مِنَ المزَابِلِ، وَأَغسِلُهَا, وَأُصْلِحُ مِنْهُ مَا أَلبسُهُ, وَبِقيْتُ أَرْبَعينَ شهراً أُفطرُ كُلَّ لَيْلَةٍ عَلَى كَفّ بَاقِلاَّءٍ, فَافْتَصدتُ, فَخَرَجَ شبهُ مَاءِ اللَّحْمِ, فَغَشِيَ عليَّ, فَتَحَيَّرَ الفَصَّادُ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ جَسَداً بِلاَ دَمٍ إلَّا هَذَا.
قَالَ ابْنُ بَاكَوَيْه: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الكَبِيْرَ: سَمِعْتُ ابنَ خَفِيْفٍ يَقُوْلُ: نُهِبْتُ فِي البَادِيَةِ، وَجعتُ حَتَّى سَقَطَتْ لِي ثمَانيَةُ أَسنَانٍ, وَانتثرَ شَعْرِي, ثم وَقعتُ إِلَى فَيْد، وَأَقمتُ بِهَا حَتَّى تمَاثلتُ, وَحججتُ, ثُمَّ مضيتُ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَدخلتُ الشَّامَ, فنمتُ إِلَى جَانبِ دُكَّانِ صبَّاغ، وَبَاتَ مَعِي فِي المَسْجَدِ رَجُلٌ بِهِ قيَامٌ, فَكَانَ يخرُجُ وَيدخلُ, فَلَمَّا أَصبَحْنَا صَاحَ النَّاسُ, وَقَالُوا: نُقِبَ دُكَّانُ الصَّبَّاغِ وَسُرِقَتْ, فَدَخَلُوا المَسْجَدَ وَرَأَوْنَا, فَقَالَ المَبْطُونُ: لاَ أَدرِي, غَيْرَ أَنَّ هَذَا كَانَ طُولَ اللَّيْلِ يدخُلُ وَيخرجُ, وَمَا خرجتُ إلَّا مرَّةً تطهَّرت, فَجَرُّونِي وَضَرَبُونِي، وَقَالُوا: تكلَّم, فَاعتقدْتُ التَّسْلِيمَ, فَاغتَاظُوا مِنْ سُكُوتِي, فَحَمَلُونِي إِلَى دُكَّانِ الصبَّاغ, وَكَانَ أَثَرُ رِجْلِ اللِّصِّ فِي الرَّمَادِ, فَقَالُوا: ضَعْ رِجْلَكَ فِيْهِ, فَكَانَ عَلَى قَدْرِ رِجْلِي, فَزَادَهُمْ غيظاً، وَجَاءَ الأَمِيْرُ, وَنُصبتِ القِدْرُ وَفِيْهَا الزَّيْتُ يُغْلَى, وَأُحضرتِ السِّكِّينُ، وَمَنْ يقطعُ, فَرَجَعتُ إِلَى نَفْسِي وَإِذَا هِيَ سَاكنةٌ, فَقُلْتُ: إِنْ أَرَادُوا قطعَ يَدِي سَأَلتُهُمْ أَنْ يَعْفُو عَنْ يَمِيْنِي لأَكتبَ بِهَا، وَبَقِيَ الأَمِيْرُ يهدِّدني وَيصولُ, فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَعَرفتُهُ, كَانَ مَمْلُوكاً لأَبِي, فكلَّمني بِالعَرَبِيَّةِ, وَكَلَّمْتُهُ بِالفَارِسِيَّةِ, فَنَظَرَ إليَّ وَقَالَ: أَبُو الحُسَيْنِ, وَبِهَا كُنْتُ أكنَّى فِي صِبَايَ, فضحكْتُ, فَأَخَذَ يَلطُمُ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ, وَاشتَغَلَ النَّاسُ بِهِ, فَإِذَا بضجَّة وأنَّ اللُّصوصَ قَدِ أُخِذُوا, فَذَهَبتُ وَالنَّاسُ وَرَائِي وَأَنَا ملَطَّخ بِالدِّمَاءِ جَائِعٌ, لِي أَيَّامٌ لَمْ آكُلْ, فَرَأَتْنِي عجوزٌ فقيرة, فقالت: