الإِمَامُ البَلِيغُ الأَوحدُ, خطيبُ زَمَانِهِ, أَبُو يَحْيَى, عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ نُبَاتَةَ الفَارقيُّ, صَاحبُ الدِّيْوَانِ الفَائِقِ فِي الحمدِ وَالوعظِ، وَكَانَ خَطِيْباً بِحَلَبَ لِلملكِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ.
وَقَدِ اجتمعَ بِأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي.
وَكَانَ فَصِيْحاً مفوَّهًا, بَدِيْعَ المَعَانِي, جَزْلَ العِبَارَةِ, رُزِقَ سَعَادَةً تامَّة فِي خُطَبِهِ.
وَكَانَ فِيْهِ خَيْرٌ وَصلاَحٌ, رَأَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نومِهِ, ثُمَّ اسْتيقَظَ وَعَلَيْهِ أَثرُ نورٍ لَمْ يُعهدْ قَبْلُ فِيْمَا قِيْلَ. وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثمَانيَةَ عشرَ يَوْماً، وتوفَّاه اللهُ, فَذكَرَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَفَل فِي فِيْهِ, وَبَقِيَ تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَسْتَطعِمُ بطعَامٍ وَلاَ يشربُ شَيْئاً.
وتوفِّي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بميَّافارقين. وَقِيْلَ: لَمْ يَلِ خطَابةَ حلبَ إلَّا بَعْدَ موتِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بنِ حَمْدَانَ, وَبَلَغَنَا أنَّ عُمُرَهُ لَمْ يبلغِ الأَرْبَعينَ, بَلْ عَاشَ تسعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. فَاللهُ أَعلمُ.
وَلَمْ يصحَّ ذَلِكَ, فَإِنَّهُ ابتدأَ بِتصنيفِ خُطَبِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ, وَهُوَ إِذْ ذَاكَ خطيبٌ ممِيِّزٌ, وَجَالسَ المُتَنَبِّي فلعلَّه عَاشَ خَمْسِيْنَ سَنَةً، أَوِ أَكثرَ.
ولأبيه رواية.