"فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى". فقال المهاجرون: والله لا نختلف عليك في شيء، فمرنا وابعثنا. فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى، فخرج حتى قدم على كسرى، وهو بالمدائن، واستأذن عليه.
فأمر كسرى بإيوانه أن يزين، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وهب، فلما دخل عليه أمر بِكِتَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يقبض منه. قال شجاع: لا، حتى أدفعه أنا كما أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال كسرى: ادنه، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه، فإذا فيه: "من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس".
فأغضبه حين بدأ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وصاح غضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع فأخرج، فركب راحلته وذهب، فلما سكن غضب كسرى، طلب شجاعا فلم يجده. وأتى شجاع النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "اللهم مزق ملكه".
وقال أبو عوانة، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض" 1.
أخرجه مسلم. رواه أسباط بن نصر، عن سماك، عن جابر فزاد، قال: فكنت أنا وأبي فيهم، فأصابنا من ذلك ألف درهم.
وقال أحمد بن الوليد الفحام: حدثنا أسود بن عامر، قال: أخبرنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عن أبي بكرة، أن رجلا من أهل فارس أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ ربي قد قتل ربك، يعني كسري".
قال: وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد استخلف بنته، فقال: "لا يفلح قوم تملكهم امرأة" 2.
ويروى أن كسرى كتب إلى باذام عامله باليمن يتوعده ويقول: ألا تكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه؟ لتكفنيه أو لأفعلن بك. فبعث العامل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسلا وكتابا، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، ثم قال: "اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا: إن ربي قد قتل ربك الليلة".