حَسْنُويه جَالسَيْن, فَقَالاَ لِي: اشتغلْ بسَمَاع الحَدِيْث, قُلْتُ: مَمَّن؟ قَالاَ: مِنْ إِسْمَاعِيْل بنِ قُتَيْبَةَ, فَذَهَبتُ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتُ, فرغِبْتُ فِي الحَدِيْثِ, ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى العِرَاقِ بَعْدُ بِسَنَةٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: بَقِيَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ يُفْتِي بِنَيْسَابُوْرَ نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً, وَلَمْ يُؤْخذ عَلَيْهِ فِي فَتَاويه مَسْأَلَة وَهِمَ فِيْهَا, وَلَهُ الكُتُب المبسوطَة مِثْل الطهارة والصلاة والزكاة, ثُمَّ إِلَى آخر كتَاب الْمَبْسُوط.
سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ يخلُفُ إِمَامَ الأَئِمَة ابْنَ خُزَيْمَةَ فِي الفَتْوَى بِضْع عَشْرَة سَنَةً فِي الجَامع وَغَيْرِه.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كأنِّي فِي دَارٍ فِيْهَا عُمَر, وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يسأَلونه المَسَائِل, فَأَشَار إليَّ أَنْ أُجِيبَهُم, فَمَا زِلْت أُسأَل وَأُجيب, وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: أَصَبْتَ, إِمضِ, أَصبتَ, إِمضِ, فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ, مَا النَّجَاةَ مِنَ الدُّنْيَا أَوِ الْمخْرج مِنْهَا? فَقَالَ لِي بِإِصْبَعه: الدُّعَاء, فَأَعدت عَلَيْهِ السُّؤَال, فجمَعَ نَفْسَه كأنَّه سَاجِدٌ لخضوعه, ثُمَّ قَالَ: الدُّعَاء.
قَالَ الحَاكِمُ: وَمن تَصَانِيْفه كتَابُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَات، وكتَابُ الإِيْمَان, وكتَاب القَدر, وكتَاب الخُلَفَاء الأَرْبَعَة, وكتَاب الرُّؤْيَة, وكتَاب الأَحْكَام، وَحُمِلَ إِلَى بَغْدَادَ, فكَثُرَ الثَّنَاء عَلَيْهِ -يَعْنِي: هَذَا التَأْلِيْف، وكتَاب الإِمَامَة.
وَقَدْ سمِعْتُه يخَاطب كَهْلاً مِنْ أَهْلِ فَقَالَ: حدّثونَا عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْب فَقَالَ لَهُ: دَعْنَا مِنْ حَدَّثَنَا إِلَى مَتَى حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا? فَقَالَ: يَا هَذَا, لَسْت أَشمُّ مِنْ كَلاَمك رَائِحَةَ الإِيْمَان، وَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُل هَذِهِ الدَّار, ثُمَّ هَجَره حَتَّى مَاتَ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَمْدُوْنَ يَقُوْلُ: صَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ إِسْحَاقَ سِنِيْنَ, فَمَا رَأَيْتهُ قَطُّ تَرَكَ قيَام اللَّيْل, لاَ في سفر ولا حضر.
رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ غَيْرَ مَرَّةٍ عقِيب الأَذَان يدعُو وَيَبْكِي، وَرُبَّمَا كَانَ يَضْرب بِرَأْسِهِ الحَائِط, حَتَّى خَشِيْتُ يَوْماً أَنْ يدمَى رَأْسه, وَمَا رَأَيْتُ فِي جَمَاعَةِ مَشَايِخنَا أَحسن صَلاَةً مِنْهُ، وَكَانَ لاَ يَدَع أَحداً يغتَاب فِي مَجْلِسه.
وسمِعته غَيْرَ مَرَّةٍ إِذَا أَنشد بيتاً يُفْسِده ويغيِّره حَتَّى يُذْهِبَ الوَزْن، وَكَانَ يُضْرَب المَثَل بعَقْله وَرأَيه.
وسُئِلَ عَمَّن يُدرك الرُّكُوْع وَلَمْ يقرأَ الفَاتحَة, فَقَالَ: يعيدُ الرَّكْعَة.