وَقَالَ: عِلْمُ الفَنَاء وَالبَقَاء يَدُور عَلَى إِخْلاَص الوَحْدَانيَّة وَصحَّةِ العبوديَّة، وَمَا كَانَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ مِنَ المُغَالطَة وَالزَّنْدقَة.
قُلْتُ: صَدَقتَ وَاللهِ, فَإِنَّ الفَنَاء وَالبَقَاء مِنْ تُرَّهات الصُّوْفِيَّة أَطْلَقَهُ بَعْضهُم, فَدَخَلَ مِنْ بَابه كُلُّ زِنْدِيْق، وَقَالُوا: مَا سِوَى الله بَاطِلٌ فانٍ, وَاللهِ تَعَالَى هُوَ البَاقِي، وَهُوَ هَذِهِ الكَائِنَات, وَمَا ثَمَّ شَيْء غَيْره.
ويَقُوْلُ شَاعرهُم:
وَمَا أَنْتَ غَيْرَ الكُون ... بَلْ أَنْتَ عَيْنُه
ويَقُوْلُ الآخر:
وَمَا ثَمَّ إلَّا اللهُ لَيْسَ سِوَاهُ
فَانظر إِلَى هَذَا الْمُرُوق وَالضَّلاَل, بَلْ كُلُّ مَا سِوَى الله محدَثٌ مَوْجُود, قَالَ الله تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّام} . [الفرقان: 59] .
وَإِنَّمَا أَرَادَ قُدَمَاء الصُّوْفِيَّةِ بِالفَنَاء نسيَانَ المخلوقَات وَتركَهَا, وَفنَاء النَّفس عَنِ التَّشَاغُل بِمَا سِوَى الله، وَلاَ يُسَلَّمُ إِلَيْهِم هَذَا أَيْضاً, بَلْ أَمرنَا اللهُ وَرَسُوْلُه بِالتَّشَاغل بِالمخلوقَات وَرؤيتهَا وَالإِقبال عَلَيْهَا, وَتعَظِيْمِ خَالِقهَا, وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْء} وَقَالَ: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} .
وقال -صلى الله عليه وسلم: "حُبِّبَ إليَّ النِّسَاء وَالطِّيب" 1.
وَقَالَ: "كَأَنَّك علمتَ حُبَّنَا لِلْحم".
وَكَانَ يحِبُّ عَائِشَة, وَيحبُّ أَباهَا، وَيحبُّ أُسَامَة، وَيحبُّ سِبْطَيْه، وَيحبّ الحَلْوَاء وَالعَسَل، وَيحبّ جَبَل أُحُد, وَيحبُّ وَطَنه, وَيحبُّ الأَنْصَار, إِلَى أَشيَاء لاَ تحصَى مِمَّا لاَ يغنِي المُؤْمِن عَنْهَا قَطُّ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وثلاث مائة.