قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ابْنُ الأَنْبارِي صدوقًا دينًا من أهل السنة. صَنّفَ فِي عُلُوْمِ القُرْآنِ وَالغَريبِ وَالمُشْكِل وَالوَقْفِ وَالاَبتدَاء.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَفْضَلِهُم فِي نَحْوِ الكُوْفِيّين، وَأَكْثَرِهُم حِفْظاً للُّغَةِ. أَخَذَ عَنْ: ثَعْلبٍ، وَأَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شب فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثٍ مائَة.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ العَرُوْضِي: كُنْتُ أَنَا وَابْن الأَنْبَارِيّ عِنْد الرَّاضِي بِاللهِ، فَفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ سأَلَتْه جَارِيَةٌ عَنْ تَفْسِيْرِ شَيْءٍ مِنَ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: أَنَا حَاقِنٌ، وَمَضَى. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، عَادَ، وَقَدْ صَارَ مُعبِّراً للرُّؤْيَا. مَضَى مِنْ يَوْمه، فَدَرَسَ كِتَابَ "الكِرْمَانِيّ فِي التعبِير" وَجَاءَ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "الوَقْفِ وَالاَبتدَاء"، وَكِتَابُ "المُشْكل"، وَ"غَرِيْب الغَرِيْب النبوِي"، وَ"شَرْح المفضَّلِيَّات"، وَ"شَرْحُ السَّبْعِ الطِّوَال"، وَكِتَاب "الزَّاهر"، وَكِتَاب "الكَافي" فِي النَّحْوِ، وَكِتَابُ "اللاَّمَاتِ"، وَكِتَاب "شَرْحِ الكَافي"، وَكِتَابُ "الهَاءآت"، وَكِتَاب "الأَضْدَادِ"، وَكِتَاب "المذكَّر وَالمُؤنث"، وَكِتَاب "رسَالَة المُشْكِلِ" يَرُدُّ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَكِتَابُ "الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالف مُصْحَفَ عُثْمَان" بِأَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا، يقضِي بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِلْحَدِيْثِ، وَلَهُ أَمَالِي كَثِيْرَةٌ، وَكَانَ مِنْ أفراد العالم.
وَقَالَ حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر: كَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ زَاهِداً مُتَوَاضعاً، حَكَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ حَضَرَه، فَصحف فِي اسْمٍ، قَالَ: فَأَعْظَمْتُ أَنْ يُحمل عَنْهُ وَهُمٌ وَهِبْتُهُ، فَعَرَّفْتُ مُسْتَمْلِيْهِ. فَلَمَّا حَضَرْتُ الجُمُعَة الأُخْرَى، قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ لمُسْتَمْلِيْهِ: عَرِّفِ الجَمَاعَةَ أَنَّا صحَّفنَا الاسْمَ الفُلاَنِيَّ، وَنَبَّهنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّابُّ عَلَى الصَّوَاب.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الأَنْبَارِيِّ -عَلَى مَا بَلَغَنِي- أَمْلَى "غَرِيْبَ الحَدِيْث" فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَلف وَرقَة. فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَهَذَا الكتَابُ يَكُوْن أَزيدَ مِنْ مائَةِ مُجَلَّد. وَكِتَاب "شَرْحِ الكَافي" لَهُ ثَلاَثُ مُجَلَّدَات كِبَار. وَلَهُ كِتَاب "الجَاهِليَات" فِي سَبْع مائَة وَرقَة.
وَقَدْ كَانَ أَبُوْهُ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ مُحَدِّثاً أَخْبَارِيّاً عَلاَّمَةً مِنْ أَئِمَةِ الأَدَبِ.
أَخَذَ عَنْ: سَلَمَة بنِ عَاصِم، وَأَبِي عكرمة الضبي.
وَله كِتَاب "خَلْقِ الإِنْسَانِ"، وَكِتَاب "خَلْق الفَرَس"، وَكِتَابُ "الأَمثَالِ"، وَ"المقصورُ وَالمَمْدُوْد"، وَ"غَرِيْب الحَدِيْث" وَأَشيَاء عِدَّة. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَ ابْنه العَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ فِي لَيْلَةِ الأَضْحَى بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.