قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَوَّل تصرُّفه كَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ بنِ الجَرَّاحِ، وَعُمره سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَأُجْرِي لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةُ دَنَانِيْر، ثُمَّ انتقَلَ إِلَى ابْنِ الفُرَات، فَلَمَّا وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ أَحسنَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَه يُقدِّم الْقَصَص، فَكَثُرَ مَاله إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا اسْتَعْفَى ابْنُ عِيْسَى مِنَ الوِزَارَة، أُشير عَلَى المُقْتَدِر بِاللهِ بِابْنِ مُقْلَةَ، فَوَلاَّهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 316، ثُمَّ عزل سنَة 318 بَعْد سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَة أَشهر، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ المُقْتَدِر، وَبُوْيِع القَاهِرُ، كَانَ ابْنُ مُقْلَة بشيرَاز مَنْفِياً، فَأَحْضَرَ القَاهرُ وَزِيْرَ المُقْتَدِر أَبَا القَاسِم عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ، وَعرَّفه أَنَّهُ قَدِ اسْتوزَرَ أَبَا عَلِيٍّ، فَاسْتَخْلَفَهُ لَهُ إِلَى أَنْ يَقْدَم، فَقَدِمَ أَبُو عَلِيٍّ يَوْم النَّحْر سنَةَ عِشْرِيْنَ، فَدَام إِلَى أَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ القَاهر، فَاسْتتر بَعْد تِسْعَة أَشهر، ثُمَّ إِنَّهُ أَفْسَدَ الجُنْدَ عَلَى القَاهر، وَجَمع كلمتهُم عَلَى خَلْعه وَقتله، فَتَمَّ ذَلِكَ لَهُم.

وبُوْيِعَ الرَّاضِي، فَآمن أَبَا عَلِيٍّ، فَظَهَرَ، وَوَزَرَ، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد عَامِين، وَاسْتَتَر، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى الرَّاضِي بِاللهِ أَنْ يَسْتَحْجِب بُجْكَم عِوض ابْن رَائِق، وَأَن يعيدَه إِلَى الوِزَارَة، وَضَمِنَ لَهُ مَالاً، وَكَتَبَ إِلَى بُجكم، فَأَطمعه الرَّاضِي حَتَّى حَصَلَ عِنْدَهُ، وَاسْتفْتَى الفُقَهَاء، فَأَفتْوا بقطعِ يَده. فَقطع فِي شَوَّالٍ، سنة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. ثُمَّ كَانَ يَشِدُّ القَلَمَ عَلَى سَاعِدِه، وَيَكْتُبُ خَطّاً جَيِّداً. وَكَتَبَ أَيْضاً بِاليُسْرَى.

وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَاتِب يَطْلُبُ الوَزَارَة. فَلَمَّا قَرُب بُجْكم مِنْ بَغْدَادَ، طَلَبَ أَبَا عَلِيٍّ، فَقَطَعَ لِسَانَهُ وَسُجِنَ مُدَّة، وَلَحِقَه ذرَب. وَكَانَ يَسْتَقِي بِيسَارِه، وَيُمْسِكُ الحَبْلَ بفَمه، وَقَاسَى بلاَءً إِلَى أَنْ مَاتَ. وَدُفِنَ فِي دَارِ السَّلطنَة، ثُمَّ سَأَلَ أَهْلُه فَنُبِشَ، وَسُلِّم إِلَيْهِم، فَدَفَنَه ابْنُه أَبُو الحُسَيْنِ فِي دَاره.

قَالَ: الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُقْلَة: كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، يَأْكُل يَوْماً، فَلَمَّا غَسَلَ يَدَه، وَجَدَ نُقْطَةً صَفرَاءَ مِنْ حُلْوٍ عَلَى ثَوْبه فَفَتَح الدَّوَاة، فَاسْتمدَّ مِنْهَا وَطَمَسَهَا بِالقَلَمِ وَقَالَ: ذَاكَ عَيْبٌ. وَهَذَا أَثَر صِنَاعَةٍ.

إِنَّمَا الزَّعْفَرَانُ عِطْرُ العَذَارَى ... وَمِدَادُ الدَّواة عِطر الرِّجَالِ

قَالَ: أَبُو الفَضْلِ بنُ المَأْمُوْن: أَنشدَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ مُقْلَة لِنَفْسِهِ:

إِذَا أَتَى المَوْتُ لمِيْقَاتِهِ ... فَخلِّ عَنْ قَوْلِ الأَطِبَّاءِ

وَإِنْ مَضَى مَنْ أَنْتَ صَبٌّ بِهِ ... فَالصَّبْرُ مِنْ فِعْل الأَلِبَّاءِ

مَا مَرَّ شَيْءٌ ببنِي آدم ... أَمَرُّ مِن فقد الأحباء

أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوَيْه: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ النُّوْبَخْتِي، قَالَ: قِيْلَ: إِنَّ أَبَا عَلِيٍّ، قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015