فعقب الذهبي بقوله: قُلْتُ: أَرَادَ أَنَّ الصِّفَاتِ تَابِعَةٌ لِلمَوْصُوْفِ، فَإِذَا كَانَ المَوْصُوْفُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى: 11] ، وفي ذاته المقدسة، فكذلك صفاته لا مثل لها، إذ فَرْقَ بَيْنَ القَوْلِ فِي الذَّاتِ وَالقَوْلِ فِي الصفات، هذا هو مذهب السلف.
وقال في "السير" "9/ 27":
قال نعيم بن حماد: مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَنْكَرَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِيْمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رسوله تشبيه.
فعقب الحافظ الذهبي بقوله: قُلْتُ: هَذَا الكَلاَمُ حَقٌّ، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ التَّشْبِيْهِ، وَمِنْ إِنْكَارِ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَمَا يُنْكِرُ الثَّابِتَ مِنْهَا مَنْ فَقُهَ، وَإِنَّمَا بَعْدَ الإِيْمَانِ بها هنا مقامان مذموم تَأْوِيْلُهَا وَصَرْفُهَا عَنْ مَوْضُوْعِ الخِطَابِ، فَمَا أَوَّلَهَا السَّلَفُ، وَلاَ حَرَّفُوا أَلفَاظَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا، بَلْ آمَنُوا بِهَا، وَأَمَرُّوْهَا كَمَا جَاءتْ.
المَقَامُ الثَّانِي: المُبَالغَةُ فِي إِثْبَاتِهَا، وَتَصَوُّرُهَا مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ البَشَرِ، وَتَشَكُّلُهَا فِي الذِّهْنِ، فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلاَلٌ، إنما الصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ، فَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ نَرَهُ، وَلاَ أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ عاينه مع قول لنا في تنزيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى: 11] ، فَكَيْفَ بَقِيَ لأَذْهَانِنَا مَجَالٌ فِي إِثْبَاتِ كَيْفِيَّةِ البَارِئِ -تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ- فكَذَلِكَ صِفَاتُهُ المُقَدَّسَةُ، نُقِرُّ بِهَا ونعتقد أنها حقن وَلاَ نُمَثِّلُهَا أَصْلاً وَلاَ نَتَشَكَّلُهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، سَأَلْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] ، قَالَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بِعِلْمِهِ، أَلاَ تَرَى قَوْلَهُ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] .
وقال "7/ 379":
الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ, وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] ، يَعْنِي بِالعِلْمِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.
قال الأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ: كُنَّا -وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ- نَقُوْلُ إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ