مات في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.

وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ، لقيَ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَطَبَقَتَه، وَهُم مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالجَلاَلَةِ.

وَكَانَ أَخُوْهُ؛ بُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ ثِقَةً، مُسْنِداً، يَرْوِي عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَطَبَقَتِهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَكَانَ ثِقَةً.

وَقَالَ طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ عَظِيْم القَدْرِ، وَاسِعَ الأَدَبِ، تَامَّ المُرُوْءةِ، حَسَنَ الفَصَاحَةِ وَالمَعْرِفَةِ بِمَذْهَب أَهْلِ العِرَاقِ، وَلَكِنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الأَدَبُ، وَكَانَ لأَبِيْهِ "مُسْنَدٌ" كَبِيْرٌ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ دَاوُدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ إِسْحَاقَ أَسَنَّ مِنْ عَمِّهِ أَحْمَدَ، دَامَ أَحْمَدُ عَلَى قَضَاءِ المَدِيْنَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، جَيِّدَ الضَّبْطِ، مُتَفَنِّناً فِي عُلُوْمٍ شَتَّى، مِنْهَا الفِقْهُ لأَبِي حَنِيْفَةَ، وَرُبَّمَا خَالَفَه، وكان تام اللغة، حسن القيام بِنَحْوِ الكُوْفِيِّينَ، صَنَّفَ فِيْهِ، وَكَانَ وَاسِعَ الحِفْظِ لِلأَخْبَارِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيْرِ وَالشِّعرِ، وَكَانَ خَطِيْباً مُفَوَّهاً، شَاعِراً لَسِناً، ذَا حَظٍّ مِنَ التَّرسُّلِ وَالبَلاَغَةِ، وَرِعاً مُتَخَشِّناً فِي الحُكْمِ، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ هِيْتَ وَالأَنْبَارِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، ثُمَّ قَضَاءَ بَعْضِ الجَبَلِ.

قَالَ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ: كُنْتُ أَحضُرُ دَارَ المُقْتَدِرِ مَعَ أَبِي وَهُوَ يَنُوْبُ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي عُمَرَ القَاضِي، فَكُنْتُ أَرَى أَبَا جَعْفَرٍ القَاضِي يَأْتِيْهِ أَبِي فَيَجلِسُ عِنْدَهُ، فَيَتَذَاكَرَانِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِمَا عَدَدٌ مِنَ الخَدَمِ، فَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ لِنَفْسِي مِنْ شِعْرِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ، وَأَحْفَظُ لِلنَّاسِ أَضعَافَ ذَلِكَ.

وَقَالَ القَاضِي أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي جَنَازَةٍ، وَإِلَى جَانِبِه أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، فَأَخَذَ أَبِي يَعِظُ صَاحِبَ المُصِيْبَةِ وَيُسَلِّيهِ، فَدَاخَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ، وَذنَّبَ مَعَهُ، ثُمَّ اتَّسَعَ الأَمْرُ بَينَهُمَا، وَخَرَجَا إِلَى فُنُوْنٍ أَعجَبَتْ مَنْ حَضَرَ، وَتَعَالَى النَّهَارُ، فَلَمَّا قُمْنَا، قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: هَذَا مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ. فَقَالَ: إِنَّا للهِ! مَا أَحْسَنْتَ عِشْرَتِي، إلَّا قُلْتَ لِي. فَكُنْتُ أُذَاكِرُه غَيْرَ تِلْكَ المذاكرة؟ هَذَا رَجُلٌ مَشْهُوْرٌ بِالحِفْظِ وَالاتِّسَاعِ. فَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ حَضَرنَا فِي حَقِّ رَجُلٍ آخَرَ، وَجَلَسنَا، وَجَاءَ الطَّبَرِيُّ، فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ أَبِي، وَتَجَارَيَا فَكُلَّمَا جَاءَ إِلَى قَصِيْدَةٍ، ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ بَعْضَهَا، وَيُنْشِدُهَا أَبِي، وَكُلَّمَا ذَكَرَ شَيْئاً مِنَ السِّيَرِ، فَكَذَلِكَ، فَرُبَّمَا تَلَعْثَمَ وَأَبِي يَمُرُّ فِي جَمِيْعِهِ، فَمَا سَكَتَ إِلَى الظُّهْرِ.

أَرَّخ مَوْتَهُ: ابْنُ قَانِع، وَيُوْسُفُ القَوَّاسُ، كَمَا مَرَّ.

وَقِيْلَ: مَاتَ سنة سبع عشرة، وهو وهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015