وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدَّلُ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدِ اللهِ وَهَبَ رَجُلاً اخْتَلَّتْ حَالُهُ -لاَ يَعْرِفُهُ- فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَا مَبْلَغُهُ أَلفُ دِيْنَارٍ.

وَكَانَ يُطعِمُ النَّاسَ فِي دَارِهِ فِي العِيْدِ، فَقَلَّ مَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ. وَتَأَخَّرَ شَاهِدٌ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ.

وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُوْلُ بِحَضْرَتِه لِلْخُصُوْمِ: مِنْ مَذْهَبِ القَاضِي -أَيَّدَهُ الله- كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ مَذْهَبِهِ كَذَا وَكَذَا، حَامِلاً عَنْهُ المُؤْنَةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَحَسَّ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ تِيهاً مِنَ الطَّحَاوِيِّ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ؟!

وَقَدْ حَدَّثَ بِمِصْرَ وَبِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ بِبَغْدَادَ لَوثَةٌ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.

وَكَانَ قَوِيَّ القَلْبِ وَاللِّسَانِ، رَأَى مِنْ خُمَارَوَيْه انكِسَاراً، فَقَالَ: مَا الخَبَرُ؟ قَالَ: ضِيْقُ مَالٍ، وَاسْتِئثَارُ القُوَّادِ بِالضِّيَاعِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ القَاضِي، وَكَلَّمَهُم فِي مَكَانٍ مِنَ الدَّارِ -لِبَدْرٍ وَفَائِقٍ وَصَافِي وَجَمَاعَةٍ- وَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يَلقَاهُ الأَمِيْرُ!؟ وَاللهِ أَشُدُّ السَّيْفَ وَالمِنْطقَةَ، وَأَحْمِلُ عَنْهُ. ثُمَّ وَافَقَهُم عَلَى أُمُورٍ رَضِيَهَا خُمَارَوَيْه، وَشَكَرَهُ عَلَيْهَا.

وَلَمْ يَزَلْ أَمرُ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ يَقوَى إِلَى أَنْ زَالَتْ أَيَّامُه، وَانْحَرَفَ أَهْلُ البَلَدِ عَنْ أَصْحَابِه، وَشَنَؤُوهُم بِالطَّهْمَانِيِّ. وَلَمْ يَزَلْ عَلَى حَالِهِ حَتَّى قُتِلَ خُمَارَوَيْه بِدِمَشْقَ، وَوَصَلَ تَابُوتُه، فَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ. ثُمَّ جَرَت أُمُورٌ، وَاخْتَفَى القَاضِي فِي دَارِه مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، فَكَانَتْ مُدَّةُ وِلاَيَتِه سَبْعَ سِنِيْنَ سِوَى أَشْهُرٍ. ثُمَّ ظَهَرَ، وَتَغَيَّرَتِ الدَّوْلَةُ، وَوَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ ثَانِياً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، فَحَكَمَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَغْدَادَ.

قُلْتُ رَمَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِالكَذِبِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ: هُوَ مِنَ المَتْرُوكِيْنَ.

وَحَدَّثَ أَيْضاً بِالمَوْصِلِ، وَعُمِّرَ، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَعَاشَ: نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ بَطَّالاً عِشْرِيْنَ سَنَةً.

قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُعَدَّلِ: قَالَ: ابْنُ عَبْدَةَ لِلطَّحَاوِيِّ: مَا هَذَا؟ وَاللهِ لَئِنْ أَرْسَلتُ بِقَصَبَةٍ، فَنُصِبَتْ فِي حَارَتِكَ، لَتَرَيَنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: قَصَبَةُ القَاضِي -يَعْنِي: يُعَظِّمُونَهَا- قُلْتُ: إِلَى صَرَامَتِه المُنْتَهَى، وَهُوَ فِي بَابِ الرِّوَايَة تَالِفٌ، مُتَّهَمٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015