قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ الحَنْبَلِيُّ: كَانَ عِنْدَنَا بِسُوقِ السِّلاَحِ رَجُلٌ يَقُوْلُ: القُرْآنُ حِجَابٌ، وَالرَّسُولُ حِجَابٌ، وَلَيْسَ إلَّا عَبْدٌ وَرَبٌّ، فَافْتُتِنَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَتَرَكُوا العِبَادَاتِ، ثُمَّ اخْتَفَى مَخَافَةَ القَتْلِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي "تَارِيْخِهِ": ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حَامِدٍ أَنَّ الحَلاَّجَ قَدْ موَّه عَلَى الحَشَمِ والحُجَّاب بِالدَّارِ بِأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى، وَأَنَّ الجِنَّ يَخدِمُونَهُ، وَأَظهَرَ أَنَّهُ قَدْ أَحيَى عِدَّةً مِنَ الطَّيرِ، وَقِيْلَ: إِنَّ القُنَّائي الكَاتِبَ يَعْبُدُ الحَلاَّجَ وَيَدعُو إِلَيْهِ، فَكُبِسَ بَيتُه، وَأَحضَرُوا مِنْ دَارِهِ دَفَاتِرَ وَرِقَاعاً بِخَطِّ الحَلاَّجِ، فَنَهَضَ حَامِدٌ، فَدَفَعَه المُقْتَدِرُ إِلَى حَامِدٍ، فَاحْتَفَظَ بِهِ، وَكَانَ يخرجه كل يوم إِلَى مَجْلِسِه لِيَظفَرَ لَهُ بِسَقْطِه، فَكَانَ لاَ يَزِيْدُ عَلَى إِظهَارِ الشَّهَادَتَينِ وَالتَّوحِيدِ وَالشَّرَائِعِ، وَقَبَضَ حَامِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ يَعْتَقِدُوْنَ إِلَهِيَّةَ الحَلاَّجِ، فَاعْتَرَفُوا أَنَّهُم دُعَاةُ الحَلاَّجِ، وَذَكَرُوا لِحَامِدٍ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُم أَنَّهُ إِلَهٌ، وَأَنَّهُ يُحيِي المَوْتَى، وَكَاشَفُوا بِذَلِكَ الحَلاَّجَ، فَجَحَدَ، وَكَذَّبَهُم، وَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ أَعْبُدُ اللهَ، وَأُكْثِرُ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ وَفِعلَ الخَيْرِ، وَلاَ أَعرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَنْجِيٍّ: أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ أَمرِ الحَلاَّجِ لِحَامِدٍ أَنَّ شَيْخاً يُعْرَفُ بِالدَّبَّاسِ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَخْرَقَتَه، فَفَارَقَهُ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الحَالِ أَبُو عَلِيٍّ الأوَارجِيُّ الكَاتِبُ، وَكَانَ قَدْ عَمِلَ كِتَاباً ذَكَرَ فِيْهِ مَخَارِيقَ الحَلاَّجِ وَالحِيَلَ فِيْهَا، وَالحَلاَّجُ حِيْنَئِذٍ مُقِيْمٌ عِنْدَ نَصْرٍ القُشُوْرِيِّ فِي بَعْضِ حُجَرِهِ، مُوسعٌ عَلَيْهِ، مَأْذُوْنٌ لِمَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَغوَى القُشُوْرِيَّ، فَكَانَ يُعَظِّمُه، وَيُحَدِّثُ أَنَّ عِلَّةً عَرَضَتْ لِلْمُقْتَدِرِ فِي جَوفِه، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ الحَلاَّجُ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَعُوْفِيَ، فَقَامَ بِذَلِكَ لِلْحَلاَّجِ سُوقٌ فِي الدَّارِ وَعِنْدَ أُمِّ المُقْتَدِرِ، وَلَمَّا انْتَشَرَ كَلاَمُ الدَّبَّاسِ وَالأَوَارجِيِّ فِي الحَلاَّجِ، أُحضِرَ إِلَى الوَزِيْرِ، ابْنِ عِيْسَى، فَأَغلَظَ لَهُ، فَحُكِيَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَى الوَزِيْرِ، وَقَالَ لَهُ سِرّاً: قِفْ حَيْثُ انْتَهَيْتَ وَلاَ تَزِدْ، وَإِلاَّ قَلَبتُ الأَرْضَ عَلَيْكَ، فَتَهَيَّبَهُ الوَزِيْرُ، فَنُقِلَ حِيْنَئِذٍ إِلَى حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ.
وكَانَتْ بِنْتُ السِّمَّرِيِّ -صَاحِبِ الحَلاَّجِ- قَدْ أُدخِلَتْ إِلَيْهِ، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ فِي دَارِ الخِلاَفَةِ، وَبَعَثَ بِهَا إلى حامد ليسألها عما رَأَتْ، فَدَخَلَتْ إِلَى حَامِدٍ، وَكَانَتْ عَذْبَةَ العِبَارَةِ، فَسَأَلَهَا، فَحَكَتْ أَنَّهَا حَمَلَهَا أَبُوْهَا إِلَى الحَلاَّجِ، وَأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَهَبَ لَهَا أَشيَاءً مُثمنَةً، مِنْهَا رَيْطَةٌ خَضْرَاءُ، وَقَالَ لَهَا: زَوَّجتُكِ ابْنِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَعَزُّ وَلَدِي عَلَيَّ، وَهُوَ مُقِيْمٌ بِنَيْسَابُوْرَ، لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَقَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَزَوجِهَا خِلاَفٌ، أَوْ تُنْكِرَ مِنْهُ حَالاً، وَقَدْ أَوصَيتُه بِكِ، فَمَتَى جَرَى عَلَيْكِ شَيْءٌ، فَصُومِي يَوْمَكِ، وَاصعَدِي إِلَى السَّطحِ، وَقُومِي عَلَى الرَّمَادِ، وَاجعَلِي فِطْرَكِ عَلَيْهِ مَعَ مِلْحٍ، وَاسْتَقبِلِي نَاحِيَتِي، وَاذْكُرِي مَا أَنكَرتِيْهِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ وَأَرَى.