أَزواجَكُم. قَالَ: يَا شَيْخ! أَنْتَ تَلُوذ. قُلْتُ: لَسْتُ أَلوذ، أَنَا المُجِيْب لَكَ، وَأَنْت الَّذِي تلوذُ بِمسأَلَة أُخْرَى، وَصِحْتُ أَلاَ أَحَدٌ يَكْتُبُ مَا أَقُولُ وَتَقُولُ. قَالَ: فوقَى الله شرَّه. وَقَالَ: كَأَنَّك تَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاس. قُلْتُ: أَمَّا بِدينِي فَنَعم. قَالَ: فَمَا تحتَاجُ إِلَى زِيَادَةٍ فِيْهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً أَعْلَمُ مِنْ مُوْسَى إِذْ يَقُوْلُ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الْكَهْف: 66] ، قَالَ: هَذَا طعنٌ عَلَى نُبُوَّة مُوْسَى، مُوْسَى مَا كَانَ محتَاجاً إِلَيْهِ فِي دِيْنِهِ، كلاَّ، إِنَّمَا كَانَ العِلْم الَّذِي عِنْد الخَضِرِ دُنْيَاويّاً: سَفِيْنَةً خَرَقَهَا، وَغُلاَماً قَتَلَهُ، وَجِدَاراً أَقَامَهُ، وَذَلِكَ كُلُّه لاَ يَزِيْدُ فِي دِين مُوْسَى. قَالَ: فَأَنَا أَسأَلُكَ. قُلْتُ: أَوْرِدْ وَعلِيَّ الإِصدَارُ بِالْحَقِّ بِلاَ مَثْنَوِيَّة. قَالَ: مَا تَفْسِيْرُ الله؟ قُلْتُ: ذُو الإِلهيَّة. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: الرُّبوبيَّة. قَالَ: وَمَا الرُّبوبيَّة؟ قُلْتُ: المَالِكُ الأَشيَاء كلها. قَالَ: فَقُرَيْشٌ فِي جَاهِليَّتهَا كَانَتْ تَعْرِفُ الله؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَقَدْ أَخبر الله تَعَالَى عَنْهُم أَنَّهُم قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه} [الزمر: 3] ، قُلْتُ: لَمَّا أَشركُوا مَعَهُ غَيْرَه قَالُوا: وَإِنَّمَا يَعْرِفُ اللهَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكَافرُوْنَ: 1-2] ، فَلَو كَانُوا يعبدُوْنَهُ مَا قَالَ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} . إِلَى أَنْ قَالَ: فَقُلْتُ: المشركُونَ عَبَدَة الأَصْنَامِ الَّذِيْنَ بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- إِلَيْهِم عَلِيّاً ليقرأَ عَلَيْهِم سُوْرَة برَاءة. قَالَ: وَمَا الأَصْنَام؟ قُلْتُ: الحجَارَة. قَالَ: وَالحجَارَةُ أَتُعْبَد؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَالعُزَّى كَانَتْ تُعْبَد وَهِيَ شَجَرَة، وَالشِّعرَى كَانَتْ تُعبد وَهِيَ نجم، قَالَ: فَالله يَقُوْلُ: {أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يُوْنُس: 35] ، فَكَيْفَ تَقُولُ: إِنَّهَا الحجَارَة؟ وَالحجَارَةُ لاَ تهتدِي إِذَا هُديت، لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذوَاتِ العُقُوْل. قُلْتُ: أَخْبَرَنَا اللهُ أَنَّ الجُلُودَ تَنْطِقُ وَلَيْسَتْ بذوَاتِ عُقُوْل، قَالَ: نسبَ إِلَيْهَا النُّطْقَ مَجَازاً. قُلْتُ: مُنْزِلُ القُرْآنِ يَأْبَى ذَلِكَ، فَقَالَ: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِم} [يس: 65] ، إِلَى أَنْ قَالَ: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21] ، وما الفرق بَيْنَ جِسمِنَا وَالحجَارَة؟ وَلَوْ لَمْ يُعقِّلْنَا لَمْ نَعْقِل، وَكَذَا الحجَارَةُ إِذَا شَاءَ أَنْ تَعقلَ عَقَلت.
وَقِيْلَ: لَمْ يُرَ أَغزر دَمْعَةً مِن سَعِيْدِ بن الحَدَّاد، وَكَانَ قَدْ صَحِبَ النُّسَّاك، وَكَانَ مُقِلاً حَتَّى مَاتَ أَخٌ لَهُ بِصِقِلِّيَّة، فورِثَ مِنْهُ أَرْبَع مائَة دِيْنَارٍ، فَبنَى مِنْهَا دَارَهُ بِمَائتَيْ دِيْنَار، وَاكتسَى بخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً. وَكَانَ كَرِيْماً حليماً.
رَوَى عَنْهُ وَلَدُهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ شَيْخُ ابْن أَبِي زَيْدٍ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: القُرْبُ مِنَ السُّلْطَان فِي غَيْرِ هَذَا الوَقْت حتفٌ مِنَ الحُتوف، فَكَيْفَ اليَوْم؟