قُلْتُ: قَدْ تَيَقَنَّا بِطُرُقٍ لاَ مَحِيْدَ عَنْهَا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ، وَجَزَمْنَا بِتَحْرِيْمِهِ، وَلِيَ فِي ذَلِكَ مصنف كبير.

وَقَالَ الوَزِيْرُ ابْنُ حِنْزَابَةُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى المأَمونِيَّ -صَاحِبُ النَّسَائِيّ قَالَ: سَمِعْتُ قَوْماً يُنْكِرُوْنَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ كِتَاب "الخَصَائِص" لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَتَرْكَهُ تَصْنِيْفَ فَضَائِلَ الشَّيْخَيْنِ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: دَخَلتُ دِمَشْقَ وَالمُنْحَرِفُ بِهَا عَنْ عَلِيٍّ كَثِيْر، فَصَنَّفْتُ كِتَابَ "الخَصَائِصِ" رَجَوْتُ أَنْ يَهْدِيَهُمُ الله تَعَالَى. ثُمَّ إِنَّهُ صَنَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ، فَقِيْلَ لَهُ: وَأَنَا أَسْمَعُ أَلاَ تُخْرِجُ فَضَائِلَ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أُخْرِجُ؟ حَدِيْثَ: "اللَّهُمَّ لاَ تُشْبِعْ بَطْنَهُ" فَسَكَتَ السائل.

قُلْتُ: لَعَلَّ أَنْ يُقَالْ هَذِهِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ مَنْ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً".

قَالَ مَأْمُوْن المِصْرِيُّ، المُحَدِّثُ: خَرَجْنَا إِلَى طَرَسُوْسَ مَعَ النَّسَائِيّ سَنَةَ الفِدَاءِ، فَاجتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ مُرَبَّعٌ، وَأَبُو الآذَانِ، وَكِيْلَجَةُ، فَتَشَاوَرُوا: مَنْ يَنْتَقِي لَهُمْ عَلَى الشُّيُوْخِ؟ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَكَتَبُوا كُلُّهُم بَانتِخَابِهِ.

قَالَ الحَاكِمُ: كَلاَمُ النَّسَائِيِّ عَلَى فَقْهِ الحَدِيْثِ كَثِيْرٌ، وَمَنْ نَظَرَ فِي "سُنَنِهِ" تَحَيَّرَ فِي حُسْنِ كَلاَمِهِ.

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي أَوَّلِ "جَامِعِ الأُصُوْلِ": كَانَ شَافِعِيّاً لَهُ مَنَاسِكٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ وَرِعاً مُتَحَرّياً قِيْلَ: إِنَّهُ أَتَى الحَارِثَ بنَ مِسْكِيْنٍ فِي زِيٍّ أَنْكَرَهُ، عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ وَقَبَاءٌ، وَكَانَ الحَارِثُ خَائِفاً مِنْ أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالسُّلْطَانِ، فَخَافَ أَنْ يَكُوْنَ عَيناً عَلَيْهِ، فَمَنَعَهُ، فَكَانَ يَجِيْءُ فَيَقْعُدُ خَلْفَ البَابِ وَيَسْمَعُ، وَلذَلِكَ مَا قَالَ: حَدَّثَنَا الحَارِثُ وَإِنَّمَا يَقُوْلُ: قَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ قراءة عليه وأنا أسمع.

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَسَأَل أَمِيْرٌ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ "سُنُنِهِ": أَصَحِيْحٌ كُلَّهُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَاكتُبْ لَنَا مِنْهُ الصَّحِيْحَ. فَجَرَّدَ المُجْتَنَى.

قُلْتُ: هَذَا لَمْ يَصِحَّ، بَلِ المُجْتَنَى اخْتِيَارُ ابْنُ السُّنِّيّ.

قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ فِي الحَدِيْثِ بِلاَ مُدَافَعَةٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015