قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الجُبَّائِيُّ: طَلَبَ السُّلْطَانُ أَبَا عِيْسَى الوَرَّاقَ وَابْنَ الرِّيْوَنْدِيِّ، فَأَمَّا الوَرَّاقُ فَسُجِنَ حَتَّى مَاتَ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، مِنْ رُؤُوْسِ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى وَغَيْرِهِم. وَاخْتَفَى ابْنُ الرِّيوَنْدِيِّ عِنْدَ ابْنِ لاَوِي اليَهُودِيِّ، فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ "الدَّامِغِ"، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَرِضَ، وَمَاتَ إِلَى اللَّعْنَةِ، وَعَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَدْ سَرَدَ ابْنُ الجَوْزِيِّ مِنْ بَلاَيَاهُ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْرَاقٍ.

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَبُو الحُسَيْنِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ المُتَكَلِّمُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ الرُّوْذِ، سَكَنَ بَغْدَادَ، وَكَانَ مُعْتَزِلِيّاً، ثُمَّ تَزَنْدَقَ. وَقِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ يهوديًا، فَأَسْلَمَ هُوَ، فَكَانَ بَعْضُ اليَهُوْدِ يَقُوْلُ لِلْمُسْلِمِينَ: لاَ يُفْسِدُ هَذَا عَلِيْكُم كِتَابَكُم كَمَا أَفْسَدَ أَبُوْهُ عَلَيْنَا التَّوْرَاةَ.

قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ القَاصِّ الفَقِيْهُ: كَانَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لاَ يَسْتَقِرُّ عَلَى مَذْهَبٍ وَلاَ نِحْلَةٍ، حَتَّى صَنَّفَ لِلْيَهُوْدِ كِتَابَ "النُّصْرَةِ عَلَى المُسْلِمِينَ" لِدَرَاهِمَ أُعْطِيَهَا مَنْ يَهُوْدٍ. فَلَمَّا أَخَذَ المَالَ، رَامَ نَقْضَهَا، فَأَعْطَوهُ مائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى سَكَتَ.

قَالَ البَلْخِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِي نُظَرَاءِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ مِثْلُهُ فِي المَعْقُولِ، وَكَانَ أَوَّلَ أَمْرِهِ حَسَنَ السِّيْرَةِ، كَثِيْرَ الحَيَاءِ، ثُمَّ انْسَلَخَ مِنْ ذَلِكَ لأَسبَابٍ، وَكَانَ عِلْمُهُ فَوْقَ عَقْلِهِ. قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ تَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ فِي بَعْضِ المُعْجِزَاتِ: يَقُوْلُ المُنَجِّمُ كَهَذَا.

وَقَالَ: فِي القُرْآنِ لَحْنٌ.

وَأَلَّفَ فِي قِدَمِ العَالِمِ، وَنَفَى الصَّانِعَ.

وَقَالَ: يَقُوْلُوْنَ: لاَ يَأْتِي أَحَدٌ بِمثلِ القُرْآنِ، فَهَذَا إِقْلِيْدِسُ لاَ يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ بَطْلِيْمُوْسُ.

وَقِيْلَ: إِنَّهُ اخْتَلَفَ إِلَى المُبَرِّدِ، فَبَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ المُبَرِّدُ: لَوِ اخْتَلَفَ إِلَيَّ سَنَةً، لاَحْتَجْتُ أَنْ أَقُومَ وَأُجْلِسَهُ مَكَانِي.

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.

وَقِيْلَ: مَا طَالَ عُمُرُهُ، بَلْ عَاشَ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.

لَعَنَ اللهُ الذَّكَاءَ بِلاَ إِيْمَانٍ، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ البَلاَدَةِ مَعَ التَّقْوَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015