وَأَنَّ خَادِماً أَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ صَيَّاداً أَخرج شبكتَه، فَثَقُلَت فَجَذَبَهَا، فَإِذَا فِيْهَا جِرَاب فَظَنَّه مَالاً فَإِذَا فِيْهِ آجُرٌّ بَيْنَهُ كَفٌّ مَخْضُوبَة فَهَالَ ذَاكَ المُعْتَضِدَ، وَأَمرَ الصَّيَّاد فَعَاود طَرْح الشَّبَكَة فَخَرَجَ جِرَاب آخَرْ فِيْهِ رِجْل فَقَالَ: مَعِي فِي بَلَدي مَنْ يَفْعَلُ هَذَا مَا هَذَا بِمُلْك فلَمْ يفطرْ يَوْمَه، ثُمَّ أَحْضَرَ ثِقَةً لَهُ وَأَعطَاهُ الجِرَاب وَقَالَ: طُفْ بِهِ عَلَى مَنْ يعْمل الجُرُب: لِمَنْ بَاعَه فَغَابَ الرَّجُل، وَجَاءَ وَقَدْ عَرَف بَائِعَه، وَأَنَّهُ اشترَى مِنْهُ عَطَّارٌ جِرَاباً فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: نَعَمْ اشترَى مِنِّي فُلاَنٌ الهَاشِمِيّ عَشْرَة جُرُبٍ، وَهُوَ ظَالم....، إِلَى أَنْ قَالَ: يكفيكَ أَنَّهُ كَانَ يَعْشَقُ مُغَنِّيَةً فَاكترَاهَا مِنْ مَوْلاَهَا، وَادَّعَى أَنَّهَا هَرَبت فَلَمَّا سَمِعَ: المُعْتَضِد ذَلِكَ سَجَدَ وَأَحْضَرَ الهَاشِمِيَّ فَأَخْرَجَ لَهُ اليَد وَالرَّجْلَ فَاصْفَرَّ وَاعْتَرفَ فَدَفَعَ إِلَى صَاحِبِ الجَارِيَة ثمنَهَا وَسَجَنَ الهَاشِمِيّ فيُقَالُ: قَتَلَه.

وَرَوَى التَّنُّوخِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ المُعْتَضِد -وَكَانَ صَبِيّاً- عَلَيْهِ قُباء أَصْفَرُ وَقَدْ خَرَجَ إِلَى قِتَالِ وَصِيْف بِطَرَسُوْس.

وَعَنْ خَفِيف السَّمَرْقَنْدي قَالَ: خَرَجتُ مَعَ المُعْتَضِد للصَّيْد، وَانْقَطَعَ عَنْهُ العَسْكَر فَخَرَجَ عَلَيْنَا الأَسَد فَقَالَ: يَا خَفِيْف أَمسِكْ فرسِي، وَنَزَلَ فَتَحَزَّمَ، وَسَلَّ سيفه وقصد الأَسَدُ فَتَلَقَّاهُ المُعْتَضِدُ فَقَطَعَ يَدَه فتشَاغَل بِهَا الأَسَد فضَرَبَهُ فَلَقَ هَامَتَه، وَمسح سَيْفه فِي صُوْفه وَرَكِبَ، وَصحبْتُه إِلَى أَنْ مَاتَ فَمَا سَمِعتُه يَذكُرُ الأَسد لِقلَّة احتفَاله بِهِ.

قُلْتُ: وَكَانَ فِي المُعْتَضِدْ حِرْصٌ وَجَمْعٌ للمَال حَارَبَ الزِّنْج، وَلَهُ موَاقف مشهودَة، وَفِي دَوْلَته سَكَتَتِ الفِتَن وَكَانَ فَتَاهُ بدر عَلَى شَرِطته، وَعُبَيْد اللهِ بن سُلَيْمَانَ عَلَى وَزَارَتِه وَمُحَمَّد بن شَاه عَلَى حَرَسه، وَأَسقط المَكْسَ وَنَشَرَ العَدْلَ، وَقَلَّلَ مِنَ الظُّلم وَكَانَ يُسَمَّى السَّفَّاح الثَّانِي أَحْيَا رَمِيْمَ الخِلاَفَة الَّتِي ضَعُفَت مِن مَقْتَلِ المُتَوَكِّل وَأَنْشَأَ قَصْراً غَرِمَ عَلَيْهِ أَرْبَع مائَة أَلْف دِيْنَار وَكَانَ مِزَاجه قَدْ تَغَيَّر مِنْ فَرْط الجِمَاع وَعَدَمِ الحمِيَة حَتَّى إِنَّهُ أَكَلَ فِي مَرَضِهِ زَيْتُوناً وَسَمَكاً.

وَنقَلَ المَسْعُوْدِيّ أَنَّهُم شكوافي مَوْته، فَتَقَدَّم الطَّبِيْب فَجَسَّ نَبْضَه فَفَتَح عَيْنَيْهِ فَرَفَسَ الطَّبِيْب دَحْرَجَهُ أَذرعاً فَمَاتَ الطَّبِيْب ثُمَّ مَاتَ المُعْتَضِد مِنْ سَاعتِه كَذَا قَالَ.

وَقَالَ الخُطَبِيّ فِي "تَارِيْخِهِ": حَبَس المُوَفَّق ابْنه أَبَا العَبَّاسِ فَلَمَّا اشتَدَّت عِلَّةُ المُوَفَّق عَمَدَ غِلْمَان أَبِي العَبَّاسِ فَأَخرجُوهُ، وَأَدخلُوهُ إِلَى أَبِيْهِ فَلَمَّا رَآهُ أَيقن بِالموت فَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: لِهَذَا اليَوْم خَبَّأْتُكَ ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ وَضمَّ الجَيْشَ إِلَيْهِ وَخَلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَث.

قَالَ: وَكَانَ ابْنُ العَبَّاسِ شَهْماً، جلداً، رَجُلاً بازلاً، مَوْصُوَفاً بِالرُّجْلَة وَالجَزَالَة قَدْ لَقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015