وَقِيْلَ: مَاتَ أَبُوْهُ بِسَامَرَّاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ الشِّعْرَ وَمَدَحَ بِهِ، وَصَارَ كَاتِباً وَدَخَلَ فِي ادِّعَاءِ الإِمَامَةِ، وَعِلْمِ المُغَيَّبَاتِ، وَخَافَ فَنَزَحَ مِنْ سَامَرَّاءَ إِلَى الرَّيِّ لِمِيرَاثٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
قُلْتُ: بَعْدَ مَصْرَعِ المُتَوَكِّلِ، وَابْنِهِ وَأُولَئِكَ الخُلَفَاءِ المُسْتَضْعَفِيْنَ المَقْتُولِيْنَ نَقَضَ أَمْرُ الخِلاَفَةِ جِدّاً، وَطَمِعَ كُلُّ شَيطَانٍ فِي التَّوثُّبِ، وَخَرَجَ الصَّفَّارُ بِخُرَاسَانَ وَاتَّسَعَتْ مَمَالِكُهُ وَخَرَجَ هَذَا الخَبِيْثُ بِالبَصْرَةِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ وَهَاجَتِ الرُّوْمُ، وَعَظُمَ الخَطْبُ.
ثمَّ بَعْدَ سَنَواتٍ ثَارَتِ القرامطة، والأعراب وظهر بالمغرب عبيد اللهِ المُلَقَّبُ بِالمَهْدِيِّ، وَتَمَلَّكَ ثُمَّ دَامت الدَّوْلَةُ فِي ذُرِّيَّةِ البَاطِنِيَّةِ إِلَى دَوْلَةِ نُوْرِ الدِّيْنِ رَحِمَهُ اللهُ.
فَادَّعَى بَعْدَ الخَمْسِيْنَ هَذَا الخَبِيْثُ بِهَجَرَ أَنَّهُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بن حسين زيد عَبْد اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ فَمَالَ إِلَيْهِ رَئِيْسُ هَجَرَ، وَنَابَذَهُ قَوْمٌ فَاقْتَتَلُوا فَتَحَوَّلَ إِلَى الأَحسَاءِ، وَاعْتَصَمَ بِبَنِي الشَّمَّاسِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ البَحْرَيْنِ لِغَبَاوَةِ أَهْلِهَا، وَرَوَاجِ المَخَارِيْقِ عَلَيْهِم فَحَلَّ مِنْهُم مَحَلَّ نَبِيٍّ، وَصَدَّقُوهُ بِمرَّةٍ ثُمَّ تَنَكَّرُوا لَهُ لدبرِهِ فَشَخَصَ إِلَى البَادِيَةِ يَسْتَغْوِي الأَعَارِيْبَ بِنُفُوْذِ حِيَلِهِ، وَشَعْوَذَتِهِ، وَاعتَقَدُوا فِيْهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَجَعَلَ يُغِيْرُ عَلَى النَّوَاحِي ثُمَّ تَمَّتْ لَهُ، وَقعَةٌ كَبِيْرَةٌ هُزِمَ فِيْهَا وَقُتِلَ كُبَرَاءُ أَتْبَاعِهِ، وَكَرِهَتْهُ العَرَبُ فَقَصَدَ البَصْرَةَ فَنَزَلَ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَالتَفَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَطَمِعَ فِي مَيْلِ البَصْرِيِّينَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ أَرْبَعَةً فَدَخَلُوا الجَامعَ يَدْعُونَهُم إِلَى طَاعَتِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ بَلْ وَثَبَ الجُنْدُ إِلَيْهِم فَهَرَبَ، وَأُخِذَ أَتْبَاعُهُ وَابْنُهُ الكَبِيْرُ وَأُمُّهُ، وَبِنْتُهُ فَحُبِسُوا.
وَذَهَبَ إِلَى بَغْدَادَ فَأَقَامَ سَنَةً يَسْتَغوِي النَّاسَ وَيُضِلُّهُم فَاسْتمَالَ عِدَّةً مِنَ الحَاكَةِ بِمخَارِيقِهِ، وَالجَهَلَةُ أَسْبَقُ شَيْءٍ إِلَى أَربَابِ الأَحْوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ، وَمَاتَ مُتَوَلِّي البَصْرَةِ وَهَاجَتِ الأَعرَابُ بِهَا، وَفَتَحُوا السُّجُونَ فَتَخَلَّصَ قَوْمُهُ فَبَادَرَ إِلَى البَصْرَةِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ وَاسْتجَابَ لَهُ عَبِيْدٌ زُنُوجٌ لِلنَّاسِ فَأَفْسَدَهُم، وَجَسَّرَهُم وَعَمَدَ إِلَى جَرِيْدَةٍ فَكَتَبَ عَلَى خِرْقَةٍ عَلَيْهَا {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} [التَّوبَة: 111] وَكَتَبَ اسْمَهُ وَخَرَجَ بِهِم فِي السَّحَرِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ رَمَضَانَ فِي أَلْفِ نَفْسٍ فَخَطَبَهُم، وَقَالَ: أَنْتُم الأُمَرَاءُ وَسَتَمْلِكُونَ، وَوَعَدَهُم وَمَنَّاهُم ثُمَّ طَلَبَ أُسْتَاذِيْهِم وَقَالَ أَرَدْتُ ضَرْبَ أَعنَاقِكُم لأَذِيَّتِكُم لِهَؤُلاَءِ الغِلْمَانِ قَالُوا: هَؤُلاَءِ أَبَقُوا وَلاَ يُبقُوْنَ عَلَيْكَ، وَلاَ عَلَيْنَا فَأَمَرَ غِلْمَانَهُم فَبَطَحُوهُم، وَضَرَبُوا كُلَّ وَاحِدٍ خَمْسَ مائَةٍ، وَحَلَّفَهُم بِالطَّلاَق أَنْ لاَ يُعْلِمُوا أَحَداً بِمَوْضِعِهِ.