وَأَمَّا دَاوُدُ فَقَالَ القُرْآنُ مُحْدَثٌ. فَقَامَ عَلَى دَاوُدَ خَلْقٌ مِن أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وَأَنْكَرُوا قَولَهُ وَبَدَّعُوْهُ وَجَاءَ مِنْ بَعْدِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فَقَالُوا: كَلاَمُ اللهِ مَعْنَىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَهَذِهِ الكُتُبُ المُنْزَلَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَدَقَّقُوا وَعَمَّقُوا فَنَسْأَلُ اللهَ الهُدَى، وَاتِّبَاعَ الحَقِّ فَالقُرْآنُ العَظِيْمُ حُرُوْفُهُ، وَمَعَانِيهُ وَأَلفَاظُهُ كَلاَمُ رَبِّ العَالِمِيْنَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ وَتَلَفُّظُنَا،بِهِ وَأَصْوَاتُنَا بِهِ مِنْ أَعْمَالنَا المَخْلُوْقَةِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُم" 1 وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ المَلْفُوْظُ لاَ يَسْتَقِلُّ إلَّا بِتَلَفُّظِنَا، وَالمَكْتُوْبُ لاَ يَنْفَكُّ عَنْ كِتَابةٍ، وَالمَتْلُو لاَ يُسْمَعُ: إلَّا بِتِلاَوَةِ تَالٍ صَعُبُ فَهْمُ المَسْأَلَةِ، وَعَسُرَ إِفْرَازُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ المَلْفُوْظُ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي يُعْنَى بِهِ التَّلَفُّظُ فَالذِّهِنُ يَعْلَمُ الفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذَا، وَالخَوْضُ فِي هَذَا خَطِرٌ نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ، وَفِي المَسْأَلَةِ بُحُوْثٌ طَوِيْلَةٌ الكَفُّ عَنْهَا أَوْلَى، وَلاَ سِيَّمَا فِي هذه الأزمنة المزمنة.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: كَانَ دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ عَقْلُهُ أَكْبَرُ مِنْ عِلْمِهِ.
وَقَالَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ الحَافِظُ: ذَاكَرْتُ ابْنَ جَرِيْرٍ الطَّبرِيَّ، وَابْنَ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الفِقْهِ فَقَالاَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِذَا أَرَدْتَ الفِقْهَ فَكُتُبُ أَصْحَابِ الفِقْهِ كَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدَ وَنُظَرَائِهِمَا ثُمَّ قَالا: وَلاَ كُتُبُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الفِقْهِ أَمَا تَرَى كِتَابَهُ فِي "الأَمْوَالِ" مَعَ أَنَّهُ أَحْسَنُ كُتُبِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ دَاوُدُ عِرَاقِيّاً كَتَبَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وَرَقَةٍ وَمِنْ أَصْحَابِهِ: أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رُوَيْم، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّجَّارِ وَأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الدِّيْبَاجِي، وَأَحْمَدُ بنُ مَخْلَدٍ الإِيَادِي وَأَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الدَّجَاجِي وَأَبُو نَصْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ ثُمَّ سَرَدَ أَسْمَاءَ عِدَّةٍ مِنْ تَلاَمِذَتِهِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ: عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ أَخْبَرَنَا علي ابن عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَقِيْهُ فِي طَبَقَاتِ الفُقَهَاءِ لَهُ قَالَ: ذِكْرُ فُقَهَاءِ بَغْدَادَ وَمِنْهُم: أَبُو سُلَيْمَانَ دَاودُ بنُ عَلِيِّ بنِ خلف الأصبهاني، ولد في سنة اثنتين ومئتين ومات سنة سبعين ومئتين أَخَذَ العِلْمَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبِي ثَوْرٍ وَكَانَ زَاهِداً مُتَقَلِّلاً وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ في مجلسه