وعقب الحافظ الذهبي بقوله: قُلْتُ: مَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ إِلاَّ مَنْ هُوَ قَاصِرٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ، كَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا، أَوْ مَنْ هُوَ مُتَعَصِّبٌ وَهَذَا الإمام مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، جَارٍ فِي مِضْمَارِ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ وَتِلْكَ الحَلَبَةِ رَحِمَهُمُ اللهُ.

وقال في "السير" "7/ 176-178":

من التزم بتقليد إمام، فإن لَهُ مُخَالَفَةُ إِمَامِهِ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ، حُجَّتُهُ فِي تِلْكَ المَسْأَلَةِ أَقوَى، لاَ بَلْ عَلَيْهِ اتباع الدليل فيما تبرهن له، ولا كَمَنْ تَمَذْهَبَ لإِمَامٍ، فَإِذَا لاَحَ لَهُ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، عَمِلَ بِهِ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ، وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، قد رَقَّ دِيْنُهُ، كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ المَكِّيِّيْنَ فِي المُتْعَةِ، وَالكُوْفِيِّيْنَ فِي النَّبِيذِ، وَالمَدَنِيِّينَ فِي الغِنَاءِ، وَالشَّامِيِّينَ فِي عصمة الخلفاء، وَنِكَاحِ التَّحْلِيْلِ بِمَنْ تَوسَّعَ فِيْهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلانحِلاَلِ، فَنَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالتَّوفِيْقَ.

وَلَكِنْ شَأْنُ الطَّالِبِ أَنْ يَدْرُسَ أَوَّلاً مُصَنَّفاً فِي الفِقْهِ، فَإِذَا حَفِظَهُ، بَحَثَهُ وَطَالَعَ الشُّرُوحَ، فَإِنْ كَانَ ذَكِيّاً فَقِيْهَ النَّفْسِ وَرَأَى حُجَجَ الأَئِمَّةِ فَلْيُرَاقِبِ اللهَ وَلْيَحْتَطْ لِدِيْنِهِ، فَإِنَّ خَيْرَ الدين الورع، ومن ترك الشبهات فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِهِ وَعِرْضِهِ وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ.

فَالمُقَلَّدُوْنَ صحَابَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْطِ ثُبُوْتِ الإِسْنَادِ إِلَيْهِم، ثُمَّ أَئِمَّةُ التَّابِعِيْنَ كَعَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ, وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ, وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ, وَأَبِي الشَّعْثَاءِ, وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ, وَعُرْوَةَ, وَالقَاسِمِ, وَالشَّعْبِيِّ, وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. ثُمَّ كَالزُّهْرِيِّ, وَأَبِي الزِّنَادِ, وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ, وَرَبِيْعَةَ, وَطَبَقَتِهِم.

ثم كأبي حنيفة ومالك والأوزارعي وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ وَسُفْيَانَ الثوري والحمادين وشعبة والليثي وَابْنِ المَاجِشُوْنِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ثُمَّ كَابْنِ المُبَارَكِ، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ والهِقْل بنِ زِيَادٍ وَوَكِيْعٍ وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ, وَطَبَقَتِهِم.

ثُمَّ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالبُوَيْطِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ ثم كالمزني وأبي بكر بن الأَثْرَمِ وَالبُخَارِيِّ وَدَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ القَاضِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015