قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إلَّا بدأَتُ بحمدِ اللهِ، وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إلَّا أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.

قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ وضيَّفَنَا مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مجالس فيه وأجرى المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كَيْفَ تَرَى? فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.

قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ، وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي فَجَهِدْنَا فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ فَكَتَبَ إِلَى، وَالِي خُوَارزمَ فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ وَجَدَ، وَجْداً شَدِيْداً وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي، وَكَتَبَ كِتَاباً وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إلَّا بِخَيْرٍ فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً، وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.

قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ. فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ? قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي قُلْتُ فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ? قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.

قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.

قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ? قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015