وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْهَيَانِيُّ: نَصْرٌ عِنْدِي مِنْ نُبَلاَءِ النَّاسِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّبِيْبِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى المُتَوَكِّلِ، فَإِذَا هُوَ يَمْدَحُ الرِّفْقَ، فَأَكْثَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ, أَنْشَدَنِيَ الأَصْمَعِيُّ:
لَمْ أَرَ مِثْلَ الرِّفْقِ فِي لِينِهِ ... أَخْرَجَ لِلْعَذْرَاءِ مِنْ خِدْرِهَا
مَنْ يَسْتَعِنْ بِالرِّفْقِ فِي أَمْرِهِ ... يَسْتَخرِجِ الحَيَّةَ مِنْ جُحْرِهَا
فَقَالَ: يا غلام, الدواة والقرطاس، فكتبهما.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ, أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي أَخِي مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّنِي، وَأَحَبَّ هَذَيْنِ، وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ".
قُلْتُ: هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ جِدّاً. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: لَمَّا حَدَّثَ نَصْرٌ بِهَذَا أَمَرَ المُتَوَكِّلُ بِضَرْبِهِ أَلْفَ سَوْطٍ، فَكَلَّمَهُ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ لَهُ: الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى تَرَكَهُ، وَكَانَ لَهُ أَرزَاقٌ، فَوَفَّرَهَا عَلَيْهِ مُوْسَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ عَقِيْبَهُ: إِنَّمَا أَمَرَ المُتَوَكِّلُ بِضَرْبِهِ لأَنَّهُ ظَنَّهُ رَافِضِيّاً.
قُلْتُ: وَالمُتَوَكِّلُ سُنِّيٌّ, لَكِنْ فِيْهِ نَصْبٌ. وَمَا فِي رُوَاةِ الخَبَرِ إِلاَّ ثِقَةٌ مَا خَلاَ عَلِيَّ بنَ جَعْفَرٍ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَضْبِطْ لَفْظَ الحَدِيْثِ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- مِنْ حُبِّهِ وَبَثِّ فَضِيْلَةِ الحَسَنَيْنِ لِيَجعَلَ كُلَّ مَنْ أَحَبَّهُمَا، فِي دَرَجَتِهِ، فِي الجَنَّةِ، فَلَعَلَّهُ قَالَ: فَهُوَ مَعِي فِي الجَنَّةِ. وَقَدْ تَوَاتَرَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السلام: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" 1. وَنَصْر بن عَلِيٍّ، فمن أئمة السنة الأثبات.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ إِذْناً, قَالُوا: أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ الوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَكَمِ الوَاسِطِيُّ, سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَانَ المُسْتَعِيْنُ بِاللهِ بَعَثَ إِلَى نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ يُشْخِصُهُ لِلْقَضَاءِ، فَدَعَاهُ عَبْدُ المَلِكِ أَمِيْرُ البَصْرَةِ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْجِعُ، وأَسْتَخِيْرُ اللهَ تَعَالَى، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ نِصْفَ النَّهَارِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَاقبِضْنِي، فَنَامَ، فَأَنبَهُوهُ، فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ.
قَالَ السَّرَّاجُ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ البُخَارِيُّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ. زَادَ السَّرَّاجُ: رَأَيْتهُ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ, كَانَ لاَ يَخضِبُ, رَأَيْتُهُ بِبَغْدَادَ وَلَمْ يُحَدِّثْنَا. قُلْتُ: فَأَمَّا جَدُّهُ الثِّقَةُ: