قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا. فقال: يابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى هويا من الليل، ثم التفت إلينا, فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع" -يشرط لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجعة- "أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة". فما قام أحد من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي من القيام بد حين دعاني. فقال: "يا حذيفة اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا". فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا يقر لهم قرار ولا نار ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش! لينظر امرؤ من جليسه. قال حذيفة -رضي الله عنه: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت، فقال: فلا بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جملة وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا تحدث شيئا حتى تأتيني، ثم شئت لقتلته بسهم.

قال: فرجعتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مراحل -وهو ضرب من وشي اليمن فسره ابن هشام- فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح عليَّ طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر.

وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم.

قال الله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] .

وهذا كله من رواية البكائي عن محمد بن إسحاق.

وقال يونس بن بكير، عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، أن رجلا قال لحذيفة: صحبتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركتموه. فذكر الحديث نحو حديث محمد بن كعب، وفي آخره:

فجعلت أخبر رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ أبي سفيان، فجعل يضحك حتى جعلت أنظر إلى أنيابه.

وقال موسى بن عقبة، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتل يوم بدر في رمضان سنة اثنين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق، وهو يوم الأحزاب وبني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015