العُلَمَاءِ، وَقَدْ يُرَخَّصُ فِي مُطَالعَةِ ذَلِكَ خَلْوَةً لِلْعَالِمِ المُنْصِفِ، العَرِيِّ مِنَ الهَوَى، بِشَرْطِ أَنْ يستغفر لهم، كما علمنا الله -تعالى- حيث يقول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشرُ: 10] ، فَالقَوْمُ لَهُم سَوَابِقُ وأعمال مكفرة لما وقع بينهم، وَجِهَادٌ مَحَّاءٌ، وَعُبَادَةٌ مُمَحِّصَةٌ، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَغْلُو فِي أَحَدٍ مِنْهُم، وَلاَ نَدَّعِي فِيْهِم العِصْمَةَ، نَقْطَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُم أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَفْضَلُ الأُمَّةِ، ثُمَّ تَتِمَّةُ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ وَمُعَاذٌ وَزَيْدٌ، وَأُمَّهَاتُ المُؤْمِنِيْنَ، وَبنَاتُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ بَدْرٍ مَعَ كَوْنِهِم عَلَى مَرَاتِبَ ثُمَّ الأَفْضَلُ بَعْدَهُم مِثْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم بِنَصِّ آيَةِ سُوْرَةِ الفَتْحِ ثُمَّ عُمُوْمُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ كخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ وَالعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَهَذِهِ الحَلْبَةُ, ثُمَّ سَائِرُ مَنْ صَحِبَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاهَدَ مَعَهُ أَوْ حَجَّ مَعَهُ أَوْ سَمِعَ مِنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ أَجْمَعِيْنَ- وَعَنْ جَمِيْعِ صَوَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُهَاجِرَاتِ وَالمَدَنِيَّاتِ وَأَمِّ الفَضْلِ وَأَمِّ هَانِئٍ الهَاشِمِيَّةِ, وَسَائِرِ الصَّحَابِيَّاتِ.
فَأَمَّا مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ، وَأَهْلُ البِدَعِ فِي كُتُبِهِم مِنْ ذَلِكَ فَلاَ نُعَرِّجُ عَلَيْهِ وَلاَ كرَامَةَ، فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ فَدَأْبُ الرَّوَافِضِ رِوَايَةُ الأَبَاطِيْلِ، أوْ ردِّ مَا فِي الصحاح والمسانيد ومتى إفاقة من به سكر؟! ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ وَتحَارَبُوا، وَجَرَتْ أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ شَرْحُهَا فَلاَ فَائِدَةَ فِي بَثِّهَا، وَوَقَعَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيْخِ، وَكُتُبِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أُمُورٌ عَجِيْبَةٌ، والعاقل خصم نفسه، ومن حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ، وَلُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ لِتَبْيِينِ غَلَطِ العَالِمِ، وَكَثْرَةِ وَهْمِهِ، أَوْ نَقْصِ حِفْظِهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، بَلْ لِتَوضيحِ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ مِنَ الحَسَنِ وَالحَسَنِ مِنَ الضَّعيفِ.
وإمامنا الشافعي فَبِحَمْدِ اللهِ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، حَافِظٌ لِمَا وَعَى, عَدِيْمُ الغَلَطِ، مَوْصُوفٌ بِالإِتْقَانِ, مَتِيْنُ الدِّيَانَةِ فَمَنْ نَالَ مِنْهُ بِجَهْلٍ وَهوَىً, مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافسٌ لَهُ, فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَقَتَتْهُ العلماء, ولاح لكل حافظ تخامله, وَجَرَّ النَّاسَ بِرِجْلِهِ، وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَاعْتَرفَ بإمامته وإتقانه، وهم أهل الحل والعقد, قَدِيْماً وَحَدِيْثاً, فَقَدْ أَصَابُوا، وَأَجْمَلُوا, وَهُدُوا, وَوُفِّقُوا.
وَأَمَّا أَئمَّتُنَا اليَوْمَ، وَحُكَّامُنَا، فَإِذَا أَعْدَمُوا مَا وُجِدَ مِنْ قَدْحٍ بِهوَىً فَقَدْ يُقَالُ: أَحْسَنُوا وَوُفِّقُوا وَطَاعَتُهُم فِي ذَلِكَ مُفْتَرَضَةً، لِمَا قَدْ رَأَوهُ مِنْ حَسْمِ مَادَةِ البَاطِلِ وَالشَّرِّ.