دِيْنَارٍ، مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهَا! فَقُلْتُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا مِثْلُكَ يَقُوْلُ هَذَا? قَالَ: نَعَمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهَا وَعَلَى كُلِّ مَلِيْحٍ.
هَذِهِ الحِكَايَةُ مَحْمُوْلَةٌ عَلَى الدُّعابة مِنْ أَبِي زَكَرِيَّا. وَتُرْوَى عَنْهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ امْتُحِنَ فَأَجَابَ.
قُلْتُ: هَذَا أَمرٌ ضَيِّقٌ، وَلاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ، بَلْ وَلاَ عَلَى مَنْ أُكرِهَ عَلَى صَرِيحِ الكُفْرِ عَمَلاً بِالآيَةِ. وَهَذَا هُوَ الحَقُّ. وَكَانَ يَحْيَى رَحِمَهُ اللهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فَخَافَ مِنْ سَطْوَةِ الدَّوْلَةِ وَأَجَابَ تَقِيَّةً.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ مَنْزِلِي بِاللَّيْلِ قَرَأْتُ آيَةَ الكُرْسِيِّ عَلَى دَارِي وَعِيَالِيَ خَمْسَ مَرَّاتٍ, فَبَيْنَا أَنَا أَقْرَأُ إِذَا شَيْءٌ يُكَلِّمُنِي كَمْ تَقرَأُ هَذَا? كَأَنْ لَيْسَ إِنْسَانٌ يُحسِنُ يَقْرَأُ غَيْرَكَ? فَقُلْتُ: أَرَى هَذَا يَسُوءكَ? وَاللهِ لأَزِيدَنَّكَ. فَصِرْتُ أَقرَؤُهَا فِي اللَّيْلَةِ خَمْسِيْنَ, سِتِّيْنَ مَرَّةً.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: قُلْتُ لِيَحْيَى: مَا تَقُوْلُ فِي الرَّجُلِ يُقَوِّمُ لِلرَّجُلِ حَدِيْثَهُ? يَعْنِي يَنزِعُ مِنْهُ اللَّحْنَ. فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ لَمْ نَكتُبِ الحَدِيْثَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ وَجْهاً مَا عَقَلنَاهُ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا الدُّنْيَا إِلاَّ كَحُلُمٍ وَاللهِ مَا ضَرَّ رَجُلاً اتَّقَى اللهَ عَلَى مَا أَصْبَحَ وَأَمسَى, لَقَدْ حَجَجتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً خَرَجتُ رَاجِلاً مِنْ بَغْدَادَ إِلَى مَكَّةَ هَذَا مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً كَأَنَّمَا كَانَ أَمْسِ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى: تَرَى أَنْ يَنظُرَ الرَّجُلُ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيْفَةَ? قَالَ: مَا أَرَى لأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيِّ, يَنْظُرُ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيْفَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو زَكَرِيَّا -رَحِمَهُ اللهُ- حَنَفِيّاً فِي الفُرُوْعِ, فَلِهَذَا قَالَ هَذَا, وَفِيْهِ انحِرَافٌ يَسِيْرٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: تَحْرِيْمُ النَّبِيذِ صَحِيْحٌ, وَلَكِنْ أَقِفُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ قَدْ شَرِبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ بِأَحَادِيْثَ صِحَاحٍ وَحَرَّمَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ بِأَحَادِيْثَ صِحَاحٍ.
وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سعيد القطان يقول: حديث الطلاء وحديث عُتْبَةَ بنِ فَرْقَدٍ جَمِيْعاً صَحِيْحَانِ.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ, قَالَ: حَضَرتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ بِمِصْرَ, فَجَعَلَ