وَبَيْنَ مُلُوْكِ السُّغْدِ عَهْداً أَنْ أَتْرُكَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى دِيْنِهِم، فَوَثَبَ هَذَانِ عَلَى بَيْتِ أَصْنَامِ أُشْرُوْسَنَةَ فَرَمَيَا الأَصْنَامَ وَعَمِلاَهُ مَسْجِداً فَضَرَبْتُهُمَا.
قَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: فَمَا كِتَابٌ قَدْ زَيَّنْتَهُ بِالذَّهَبِ، وَالجَوَاهِرِ فِيْهِ الكُفْرُ؟ قَالَ: كِتَابٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي فِيْهِ آدَابٌ، وَحِكَمٌ لِلأَكَاسِرَةِ فَآخُذُ منه الأدب، وَأَدَعُ مَا سِوَاهُ مِثْلَ كِتَابِ كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ.
فَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلْمُوْبِذِ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ المَخْنُوْقَةَ، وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَكْلِهَا وَيَقُوْلُ: لَحْمُهَا أَرْطَبُ. وَقَالَ لِي: إِنِّيْ دَخَلْتُ لِهَؤُلاَءِ فِي كُلِّ مَا أَكْرَهُ حَتَّى أَكَلْتُ الزَّيْتَ، وَرَكِبْتُ الجَمَلَ وَلَبِسْتُ النَّعْلَ غَيْرَ أَنِّي مَا حَلَقْتُ عَانَتِي قَطُّ، وَلَمْ يَخْتَتِنْ، وَكَانَ المُوْبِذُ مَجُوْسِيّاً، وَأَسْلَمَ بَعْدُ. قَالَ الأَفْشِيْنُ: خَبِّرُوْنِي عَنْ هذا المتكلم أثفة هو في دينه؟ قالوا: لا فَكَيْفَ تُصَدِّقُوْنَهُ؟ فَقَامَ المَرْزُبَانُ فَقَالَ: يَا أَفْشِيْنُ كَيْفَ يَكْتُبُ إِلَيْكَ أَهْلُ مَمْلَكَتِكَ؟ قَالَ: كَمَا يَكْتُبُوْنَ إِلَى آبَائِي: إِلَى الإِلِهِ مِنْ عَبْدِهِ. قال ابن أبي داود: فَمَا أَبْقَيْتَ لِفِرْعَوْنَ؟ قَالَ: خِفْتُ فَسَادَهُمْ بِتَغْيِيْرِ العَادَةِ.
قَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُصْعَبِيُّ: كَيْفَ تَحْلِفُ فَنُصَدِّقَكَ وَأَنْتَ تَدَّعِي مَا يَدَّعِي فِرْعَوْنُ؟ قَالَ: يَا إِسْحَاقُ هَذِهِ سُوْرَةٌ قَرَأَهَا عُجَيْفٌ عَلَى عَلِيِّ بنِ هِشَامٍ، وَأَنْتَ تَقْرَؤُهَا عَلَيَّ فَانْظُرْ مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ مَازَيَارُ فَقِيْلَ: أَتَعرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالُوا: هَلْ كَاتَبْتَهُ؟ قَالَ: لاَ فَقَالُوا لِلْمَازَيَارِ: أَكَتَبَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَخُوْهُ عَلَى لِسَانِه: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْصُرُ هَذَا الدِّيْنَ الأَبْيَضَ غَيْرِي، وَغَيْرُكَ وَغَيْرُ بَابَكَ فَأَمَّا بَابَكُ فَبِحُمْقِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَإِنْ خَالَفْتَ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيْفَةِ مَنْ يَرَى لِقِتَالِكَ غَيْرِي، وَمَعِيَ الفُرْسَانُ وَأَهْلُ النَّجْدَةِ وَالبَأْسِ، فَإِنْ وُجِّهْتُ إِلَيْكَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُحَارِبُنَا إلَّا العَرَبُ وَالمَغَارِبَةُ وَالأَترَاكُ، فَأَمَّا العَرَبِيُّ فَمَنْزِلتُهُ كَكَلْبٍ أَطْرَحُ لَهُ كِسْرَةً ثُمَّ أَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالدَّبُّوسِ، وَهَؤُلاَءِ الذِّئَابُ يَعْنِي: المَغَارِبَةَ فَأَكْلَةُ رَأْسٍ وَأَمَّا التُّرْكِيُّ فإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ، وَتَنْفَدُ سِهَامُهُم ثُمَّ تَجُولُ عَلَيْهِمُ الخَيْلُ جَولَةً، وَيَعُودُ الدِّيْنُ إِلَى مَا كَانَ.
فَقَالَ الأَفْشِيْنُ: هَذَا يَدَّعِي عَلَى أَخِي وَلَوْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ بِهَذَا إِلَيْهِ لأَخْدَعَهُ، لَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ وَكُنْتُ آخذ برقبته. فزجره ابن أبي داود وَقَالَ: أَخَتِيْنٌ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: خِفْتُ التَّلَفَ. قَالَ: أَنْتَ تَلْقَى الحُرُوبَ، وَتَخَافُ مِنْ قِطْعَةِ قُلْفَةٍ؟ قَالَ: تِلْكَ ضَرُورَةٌ أَصْبِرُ عَلَيْهَا وَتِلْكَ القُلْفَةُ لاَ أَخْرُجُ بِهَا مِنَ الإِسْلاَمِ فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ بَانَ لَكُم أَمرُهُ.
وَفِيْهَا: سَقَطَتْ أَكْثَرُ الأَهْوَازِ مِنَ الزَّلْزَلَةِ وَدَامَتْ أَيَّاماً.
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ: وَقَعَ بَرَدٌ كَالبَيْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَتَلَ ثَلاَثَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ نفسًا.