تَعْلَمُ، رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم الإِنْصَافَ فَكَثِيْرٌ مِنَ القِرَاءَاتِ تَدَّعُوْنَ تَوَاتُرَهَا، وَبِالجَهْدِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَى غَيْرِ الآحَادِ فِيْهَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ: نَتْلُو بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُعْرَفُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ لِكَوْنِهَا تُلُقِّيَتْ بِالقَبُولِ فَأَفَادَتِ العِلْمَ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي حُرُوْفٍ كَثِيْرَةٍ وَقِرَاءَاتٍ عَدِيْدَةٍ، وَمَنِ ادَّعَى تَوَاتُرَهَا، فَقَدْ كَابَرَ الحِسَّ أَمَّا القُرْآنُ العَظِيْمُ سُوَرُهُ، وَآيَاتُهُ فَمُتَوَاتِرٌ وَللهِ الحَمْدُ مَحْفُوْظٌ مِنَ الله تَعَالَى لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلاَ يَزِيْدَ فِيْهِ آيَةً، وَلاَ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، ولو فعل ذلك أحد عمدا لا نسلخ مِنَ الدِّيْنِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحِجْرُ: 9] .
وَأَوَّلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ حَرْفَ يَعْقُوْبَ مِنَ الشَّاذِّ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أئِمَّةٌ، وَصَارَ فِي الجُمْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ خِلاَفٌ حَادِثٌ وَاللهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ، وَحَدَّثَ عَنْ يَعْقُوْبٍ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانُ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ.
وَكَانَ أَخُوْهُ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ أَسَنَّ مِنْهُ.
قَالَ العَلاَّمَةُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: يَعْقُوْبُ أَعْلَمُ مَنْ رَأَينَا بِالحُرُوْفِ، وَالاختِلاَفِ فِي القُرْآنِ، وَعِلَلِهِ، وَمَذَاهِبِهِ وَمَذَاهِبِ النَّحْوِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ صَدُوْقٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ العِجْلِيُّ يَمْدَحُ يَعْقُوْبَ:
أَبُوْهُ مِنَ القُرَّاءِ كَانَ وَجَدُّهُ ... وَيَعْقُوْبُ فِي القُرَّاءِ كَالكَوْكَبِ الدُّرِّي
تَفَرُّدُهُ مَحْضُ الصَّوَابِ وَوَجْهُهُ ... فَمَنْ مِثْلُهُ في وقته وإلى الحشر
قَالَ أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ غَلْبُوْنَ: وَإِمَامُ أَهْلِ البَصْرَةِ بِالجَامِعِ لاَ يَقْرَأُ إلَّا بِقِرَاءةِ يَعْقُوْبَ رَحِمَهُ اللهُ.
وَقَالَ الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ السَّعِيْدِيُّ: كَانَ يَعْقُوْبُ أَقْرَأَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَكَانَ لاَ يَلْحَنُ فِي كَلاَمِهِ وَكَانَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ مِنْ بَعْضِ غِلْمَانِهِ.
وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُوْرَةَ طَه فَقُلْتُ: مَكَاناً سِوَى فَقَالَ: اقرَأْ سُوَى قِرَاءةَ يَعْقُوْبَ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ الهُذَلِيُّ فِي كَامِلِهِ: وَمِنْهُم يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ لَمْ يُرَ فِي زَمَنِهِ مِثْلُهُ، كَانَ