فَإِنْ قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنِ المُسْنَدِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو عَنِ الفَزَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ البُخَارِيَّ سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي المُوَطَّأِ فَهَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ?!

قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ حَدِيْثاً نَازِلاً، وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ إلَّا لِمَعْنَى مَا يَجِدُهُ فِي العَالِي، فَأَمَّا أَنْ يُورِدَ النَّازلَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ لاَ لِمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ، وَلاَ عَلَى وَجْهِ المتَابعَةِ لِبَعْضِ مَا اخْتُلِفَ فِيْهِ فَهَذَا غَيْرُ مَوْجُوْدٍ فِي الكِتَابِ، وَحَدِيْثُ الفَزَارِيِّ فِيْهِ بَيَانُ الخَبَرِ، وَهُوَ مَعْدُوْمٌ فِي غَيْرِهِ وَجَوَّدَهُ الفَزَارِيُّ بِتَصْرِيْحِ السَّمَاعِ، ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ قَالَ: وَالبُخَارِيُّ يَتَّبِعُ الأَلْفَاظَ بِالخَبَرِ فِي بَعْضِ الأَحَادِيْثَ، وَيُرَاعِيهَا وَإِنَّا اعْتَبَرْنَا رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي ضَمَّنَهَا كُتُبَهُ فَلَمْ نَجِدْ فِيْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ أَغْرَبَ بِهِ وَلاَ تَفَرَّدَ بِمَعْنَى فِيْهِ يُشْبِهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَمثلُ ذَلِكَ القَوْلِ فِي تَرْكِ مُسْلِمٍ إِيَّاهُ لإِدرَاكِهِ مَا أَدْرَكَ البُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ فَأَخْرَجَ فِي سُنَنِهِ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرَ حَدِيْثٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ فَصْلاً فِي ثَنَاءِ مَشَايخِهِ، وَأَقْرَانِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ سَرَدَ أَشْيَاءَ فِي غَمْزِ بَعْضِ الأَئِمَّةِ، فَأَسَاءَ مَا شَاءَ -أَعْنِي غَامِزُهُ.

وَبَلَغَنَا عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَلْفَاظٌ قَدْ لاَ تَثْبُتُ وَلكِنَّهَا حِكَمٌ فَمِنْهَا:

مَا أَفْلَحَ مَنْ طَلَبَ العِلْمَ إلَّا بِالقِلَّةِ.

وَعَنْهُ قَالَ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ وَلاَ حَلَفْتُ بِاللهِ وَلاَ تَرَكْتُ غُسْلَ الجُمُعَةِ وَمَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، إلَّا شبعَةً طَرَحْتُهَا مِنْ سَاعَتِي. وَعَنْهُ قَالَ: مَنْ لَمْ تُعِزُّهُ التَّقْوَى فَلاَ عِزَّ لَهُ.

وَعَنْهُ: مَا فَزِعْتُ مِنَ الفَقْرِ قَطُّ طَلَبُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا عُقُوبَةٌ عَاقَبَ بِهَا اللهُ أَهْلَ التَّوْحِيْدِ.

وَقِيْلَ لَهُ: مَا لَكَ تُكْثِرُ مِنْ إِمسَاكِ العَصَا وَلَسْتَ بِضَعِيْفِ؟ قَالَ: لأَذْكُرَ أَنِّي مُسَافِرٌ.

وَقَالَ: مَنْ لَزِمَ الشَّهَوَاتِ لَزِمَتْهُ عُبُوْدِيَّةُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.

وَقَالَ: الخَيْرُ فِي خَمْسَةٍ: غِنَى النَّفْسِ، وَكَفُّ الأَذَى وَكَسْبُ الحَلاَلِ وَالتَّقْوَى وَالثِّقَةُ بِاللهِ.

وَعَنْهُ: أَنْفَعُ الذَّخَائِرِ التَّقْوَى وَأَضَرُّهَا العُدْوَانُ.

وَعَنْهُ: اجتِنَابُ المَعَاصِي، وَتَرْكُ مَا لاَ يَعْنِيْكَ يُنَوِّرُ القَلْبَ عَلَيْكَ بِالخَلْوَةِ وَقِلَّةِ الأَكْلِ إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةُ السُّفَهَاءِ، وَمَنْ لاَ يُنْصِفُكَ إِذَا تَكَلَّمْتَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ مَلَكَتْكَ الكَلِمَةُ وَلَمْ تَمْلِكْهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015