مُعَاوِيَةَ فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَطَرَدَ عَامِلَ الأَمِيْنِ وَتَمَكَّنَ، وَانضَمَّتْ إِلَيْهِ اليَمَانِيَّةُ، وَأَهْلُ حِمْصَ، وَقِنَّسْرِيْنَ وَالسَّاحِلِ، إلَّا أَنَّ قَيْساً لَمْ تُتَابِعْهُ، وَهَرَبُوا.

ثُمَّ هَزَمَ طَاهِرٌ جَيْشاً ثَالِثاً لِلأَمِيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ حُلْوَانَ. وَأَنْفَقَ الأَمِيْنُ بُيُوْتَ الأَمْوَالِ عَلَى الجُنْدِ، وَلاَ يَنْفَعُوْنَ وَجَاءتْ أَمْدَادُ المَأْمُوْنِ مَعَ هَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ وَالفَضْلِ بنِ سَهْلٍ وَضَعُفَ أَمرُ الأَمِيْنِ، وَجَبُنَ جُندُهُ مِنَ الخُرَاسَانِيِّيْنَ فَجَهَّزَ عَبْدَ المَلِكِ بنَ صَالِحٍ العَبَّاسِيَّ إِلَى الشَّامِ لِيَجمَعَ لَهُ جُنْداً، وَبَذَلَ خَزَائِنَ الذَّهَبِ لَهُم فَوَقَعَ مَا بَيْنَ العَرَبِ، وَبَيْنَ الزَّوَاقِيْلِ1، فَرَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ خَلقٌ مِنْهُم وَأَحَاطَتْ المَأْمُوْنِيَّةُ بِبَغْدَادَ يُحَاصِرُوْنَ الأَمِيْنَ وَاشتَدَّ البَلاَءُ وَعَظُمَ القِتَالُ وَقَاتَلَتِ العَامَّةُ وَالرَّعَاعُ عَنِ الأَمِيْنِ قِتَالَ المَوْتِ وَاسْتَمَرَّ الوَيلُ وَالحِصَارُ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ لاَ تُوصَفُ وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ.

وَدَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَفَرَّ القَاسِمُ المُلَقَّبُ بِالمُؤْتَمَنِ، وَعَمُّهُ مَنْصُوْرٌ فَلَحِقَا بِالمَأْمُوْنِ وَرُمِي بالمجانيق وأخذت النقوب2 ونفذت خَزَائِنُ الأَمِيْنِ حَتَّى بَاعَ الأَمْتِعَةَ وَأَنْفَقَ فِي المُقَاتِلَةِ، وَمَا زَالَ أَمرُهُ فِي سِفَالٍ، وَدَثَرَتْ مَحَاسِنُ بَغْدَادَ وَاسْتَأْمَنَ عِدَّةٌ إِلَى طَاهِرٍ وَدَامَ الحِصَارُ، وَالوَبَالُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْراً.

وَاسْتَفْحَلَ أَمرُ السُّفْيَانِيِّ بِالشَّامِ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ الأُمَوِيُّ فَقَيَّدَه وَاسْتَبَدَّ بِالأَمْرِ، فَمَا بَلَعَ رِيقَهُ حَتَّى حَاصَرَهُمُ ابْنُ بَيْهَسٍ الكِلاَبِيُّ مُدَّةً ثُمَّ نَصَبَ السَّلاَلِمَ عَلَى السُّوْرِ وَأَخَذَ دِمَشْقَ، فَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ وَمَسْلَمَةُ فِي زِيِّ النِّسَاءِ إِلَى المِزَّةِ.

وَخَلَعَ الأَمِيْنَ: خُزَيْمَةُ بنُ خَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ وَخَامَرَا إِلَى طَاهِرٍ.

ثُمَّ دَخَلَ طَاهِرٌ بَغْدَادَ عَنْوَةً، وَنَادَى: مَنْ لَزِمَ بَيْتَه فَهُوَ آمِنٌ. وَحَاصَرُوا الأَمِيْنَ فِي قُصُوْرِه أَيَّاماً ثُمَّ رَأَى أَنْ يَخْرُجَ عَلَى حَمِيَّةٍ لَيْلاً وَفَعَلَ فَظَفِرُوا بِهِ وَهُوَ فِي حَرَّاقَةٍ3 فَشَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ طَاهِرٍ فِي الزَّوَارِيقِ4، وَتَعَلَّقُوا بِحَرَّاقَتِهِ فَنُقِبَتْ، وَغَرِقَتْ فَرَمَى الأَمِيْنُ بِنَفْسِهِ فِي المَاءِ فَظَفِرَ بِهِ رَجُلٌ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى طَاهِرٍ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى المَأْمُوْنِ -فَإِنَّا للهِ- وَلَمْ يُسَرَّ المأمون بمصرع أخيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015