وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ الفُضَيْلِ أَعبَدَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ الفُضَيْلِ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا نَظَرْتُ إِلَى الفُضَيْلِ جَدَّدَ لِيَ الحُزْنَ، وَمَقَتُّ نَفْسِي، ثُمَّ بَكَى.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: دَخَلْتُ مَعَ زَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ عَلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فَإِذَا مَعَهُ شَيْخٌ، فَدَخَلَ زَافِرٌ، وَأَقعَدَنِي عَلَى البَابِ. قَالَ زَافِرٌ: فَجَعَلَ الفُضَيْلُ يَنْظُرُ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاَءِ المُحَدِّثُونَ يُعْجِبُهُم قُرْبُ الإِسْنَادِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِسْنَادٍ لاَ شَكَّ فِيْهِ: رَسُوْلُ اللهِ، عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التَّحْرِيْمُ: 6] ، فَأَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ، وَجَعَلَ زَافِرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ الفُضَيْلُ، وَقُمْنَا، وَالشَّيْخُ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ.
قَالَ سَهْل بنُ رَاهويه: قُلْتُ لابْنِ عُيَيْنَةَ: أَلاَ تَرَى إِلَى الفُضَيْلِ، لاَ تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَةٌ؟ قَالَ: إِذَا قَرِحَ القَلْبُ، نَدِيَتِ العَيْنَانِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: نَظرَ الفُضَيْلُ إِلَى رَجُلٍ يَشْكُو إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: يَا هَذَا تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلَى مَنْ لاَ يَرْحَمُكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيُّ، قال: اجتمع الفضيل والثوري، فتذاكروا فَرَقَّ سُفْيَانُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ هَذَا المَجْلِسُ عَلَيْنَا رَحْمَةً وَبَرَكَةً. فَقَالَ لَهُ الفُضَيْلُ: لَكِنِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَخَافُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ أَضَرَّ عَلَيْنَا مِنْهُ، أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلَى أَحْسَنِ حَدِيْثِكَ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلَى أَحْسَنِ حَدِيْثِي، فَتَزَيَّنْتَ لِي، وَتَزَيَّنْتُ لَكَ? فَبَكَى سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَحْيَيْتَنِي، أَحْيَاكَ اللهُ.
وَقَالَ الفَيْضُ: قَالَ لِي الفُضَيْلُ: لَوْ قِيْلَ لَكَ: يَا مُرائي، غَضِبْتَ، وَشَقَّ عَلَيْكَ، وَعَسَى مَا قِيْلَ لَكَ حَقٌّ، تَزَيَّنْتَ لِلدُّنْيَا، وَتَصَنَّعتَ، وَقَصَّرْتَ ثِيَابَكَ، وَحَسَّنْتَ سَمْتَكَ، وَكَفَفْتَ أَذَاكَ، حَتَّى يُقَالَ: أَبُو فُلاَنٍ عَابِدٌ، مَا أَحْسَنَ سَمْتَهُ، فَيُكْرِمُوْنَكَ، وَيَنْظُرُونَكَ، وَيَقْصِدُونَكَ، وَيَهْدُوْنَ إِلَيْكَ، مِثْل الدِّرْهَمِ السُّتُّوق1، لاَ يَعْرِفُه كُلُّ أَحَدٍ، فَإِذَا قُشِرَ، قُشِرَ عَنْ نُحَاسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يقول: بلغني أن العلماء -فيما مضى. كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَمِلُوا، وَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا، فَإِذَا طلبوا هربوا.