عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ, عَنِ الأَوْزَاعِيِّ, قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ الزُّهْرِيُّ صَحِيْفَةً, فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي. وَدَفعَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ صَحِيْفَةً فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي. فَقَالَ ابْنُ ذَكْوَانَ:، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: نَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ نُحَدِّثُ بِهَا يَعْنِي الصَّحِيْفَةَ.
قَالَ الوَلِيْدُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ: كَانَ هَذَا العِلْمُ كَرِيْماً, يَتَلاَقَاهُ الرِّجَالُ بَيْنَهُم, فَلَمَّا دَخَلَ فِي الكُتُبِ, دَخَلَ فِيْهِ غَيْرُ أَهْلِهِ. وَرَوَى مِثْلَهَا ابْنُ المُبَارَكِ, عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
وَلاَ رَيبَ أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الصُّحُفِ، وَبِالإِجَازَةِ يَقَعُ فِيْهِ خَلَلٌ، وَلاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ نَقْطٌ، وَلاَ شَكْلٌ فَتَتَصَحَّفُ الكَلِمَةُ بِمَا يُحِيْلُ المَعْنَى، وَلاَ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ التَّحدِيْثُ مِنَ الحِفْظِ يَقَعُ فِيْهِ الوَهْمُ بِخِلاَفِ الرِّوَايَةِ مِنْ كِتَابٍ مُحَرَّرٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عمار: سمعت الوليد يقول: احترقت كُتُبُ الأَوْزَاعِيِّ زَمَنَ الرَّجْفَةِ1 ثَلاَثَةَ عَشَرَ قُنْدَاقاً2 فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنُسَخِهَا فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِكَ، وَإِصلاَحُكَ بِيَدِكَ فَمَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
وَقَالَ بِشْرُ بن بكر التنيسي: قيل للأوزعي: يَا أَبَا عَمْرٍو الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- فِيْهِ لَحْنٌ أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ? قَالَ: نَعَمْ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- لا يتكلمإلَّا بِعَرَبِيٍّ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ، وَالخَطَأِ فِي الحَدِيْثِ.
مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ كَاتِبِ المَنْصُوْرِ, قَالَ: كَانَتْ تَرِدُ عَلَى المَنْصُوْرِ كُتُبٌ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ نَتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَيَعْجَزُ كُتَّابُهُ عَنْهَا فَكَانَتْ تُنسَخُ فِي دَفَاتِرَ، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَي المَنْصُوْرِ فَيُكْثِرُ النَّظَرَ فِيْهَا اسْتِحْسَاناً لأَلفَاظِهَا فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ -وَكَانَ مِنْ أَحظَى كُتَّابِهِ عِنْدَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيْبَ الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَاباً تَامّاً. قَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أُحْسِنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِنُ، وَإِنَّ لَهُ نَظماً فِي الكُتُبِ لاَ أَظُنُّ أَحَداً مِنْ جَمِيْعِ النَّاسِ يَقدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْتَعِيْنُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ يَعرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ في الآفاق.
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مَعَ بَرَاعَتِهِ فِي العِلْمِ، وَتَقَدُّمِهِ فِي العَمَلِ كَمَا تَرَى رَأْساً فِي الترسل رحمه الله.